وما روي عن ابن عبّاس : أنّ الرسل ظنّوا أنّهم أخلفوا ما وعدهم الله من النصر ، إن صحّ فقد أراد بالظنّ ما يخطر بالبال ويهجس في القلب من شبه الوسوسة وحديث النفس على ما عليه البشريّة ، وأما الظنّ الّذي هو ترجيح أحد الجائزين على الآخر ، فغير جائز على رجل من المسلمين ، فما بال رسل الله الّذين هم أعرف الناس بربّهم ، وأنّه متعال عن خلف الميعاد ، منزّه عن كلّ قبيح؟! وقرأ غير الكوفيّين بالتشديد ، أي : وظنّ الرسل أنّ القوم قد كذّبوهم فيما أوعدوهم.
(جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ) النبيّ والمؤمنين. وإنّما لم يعيّنهم للدلالة على أنّهم الّذين يستأهلون أن يشاء نجاتهم ، لا يشاركهم فيه غيرهم. وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب : فنجّي (١) ، على لفظ الماضي المبنيّ للمفعول. (وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) إذا نزل بهم.
(لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ) في قصص الأنبياء وأممهم ، أو في قصّة يوسف وإخوته (عِبْرَةٌ) وبصيرة وموعظة (لِأُولِي الْأَلْبابِ) لذوي العقول المبرّأة عن الشوائب ، والركون إلى الحسّ وسائر الأغراض ، فإنّ من تفكّر بالعقل الخالص أنّ نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يقرأ كتابا ، ولا سمع حديثا ، ولا خالط أهله ، ثمّ حدّثهم به في حسن نظمه ومعانيه بحيث لم يقدر أحد من إتيان مثل ذلك ، لعلم أنّه أوضح برهان على صحّة نبوّته.
(ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى) ما كان القرآن حديثا مفترى (وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) من الكتب الإلهيّة (وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ) يحتاج إليه في الدين ، إذ ما من أمر دينيّ إلا وله سند من القرآن ، فإنّه القانون الّذي يستند إليه السنّة والإجماع والقياس المنصوص العلّة (وَهُدىً) من الضلال (وَرَحْمَةً) ينال بها خير الدارين (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) يصدّقونه. إنّما خصّهم بذلك لأنّهم المنتفعون به دون غيرهم.
__________________
(١) وفي قراءة اخرى : فننجّي ، على لفظ المضارع.