ثمّ قرّر كمال علمه وشموله بقوله : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ) في نفسه (وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) لغيره (وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ) طالب للخفاء في مختبأ بالليل ومظلمة (وَسارِبٌ) وذاهب في سربه بالفتح ، أي : في طريقه. يقال : سرب في الأرض سروبا ، إذا برز في ذهابه ، أي : بارز في الذهاب (بِالنَّهارِ) بحيث يراه كلّ أحد. فهو عطف على «من» أو «مستخف» ، على أنّ «من» في معنى الاثنين ، كأنّه قال : سواء منكم اثنان مستخف بالليل وسارب بالنهار.
(لَهُ) لمن أسرّ أو جهر أو استخفى أو سرب (مُعَقِّباتٌ) ملائكة تعتقب في حفظه. جمع معقّبة ، من : عقّبه مبالغة : عقبه ، إذا جاء على عقبه ، كأنّ بعضهم يعقّب بعضا ، أو لأنّهم يعقّبون أقواله وأفعاله ، فيكتبونها ويحفظونها. أو من : اعتقب ، فأدغمت التاء في القاف. والتاء للمبالغة ، أو لأنّ المراد بالمعقّبات جماعات.
(مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) من جوانبه ، أو من الأعمال ما قدّم وأخّر (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) من بأسه ونقمته متى أذنب باستمهالهم ، أي : مسألتهم ربّهم أن يمهله رجاء أن يتوب وينيب. أو استغفارهم له. أو يحفظونه من المضارّ. قال كعب : لو لا أنّ الله وكلّ بكم ملائكة يذبّون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم ، لتخطّفتكم الجنّ. أو يراقبون أحواله من أجل أمر الله تعالى.
وعن الحسن : هم أربعة أملاك يجتمعون عند صلاة الفجر. وهو معنى قوله تعالى : (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) (١). وقد روي ذلك أيضا عن أئمّتنا عليهمالسلام.
وعن ابن جبير وقتادة ومجاهد : أنّها الملائكة يتعاقبون ، تعقّب ملائكة الليل ملائكة النهار ، وملائكة النهار ملائكة الليل ، وهم الحفظة ، يحفظون على العبد عمله.
وقيل : إنّهم الأمراء والملوك في الدنيا ، الّذين يمنعون الناس عن المظالم ،
__________________
(١) الإسراء : ٧٨.