ثمّ بيّن سبحانه أنّ مكرهم يضمحلّ عند نزول العذاب بهم ، فقال : (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) بأنبيائهم والمؤمنين منهم (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً) إذ لا يؤبه بمكرهم دون مكره ، فإنّه يردّ مكرهم ويعذّبهم من حيث لا يشعرون.
(يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ) فلا يخفى عليه ما يكتسبه الإنسان من خير وشرّ ، لأنّه عالم بجميع المعلومات ، فيعدّ جزاءها.
وقيل : يعلم ما يمكرونه في أمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فيبطل أمرهم ، ويظهر أمره ودينه.
(وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) من الحزبين حيثما يأتيهم من العذاب المعدّ لهم ، وهم في غفلة منه. وهذا كالتفسير لمكر الله تعالى بهم ، لأنّ من علم ما تكسب كلّ نفس وأعدّ لها جزاءها فهو المكر كلّه ، لأنّه يأتيهم من حيث لا يشعرون ممّا يراد بهم. واللام تدلّ على أنّ المراد بالعقبى العاقبة المحمودة ، مع ما في الإضافة إلى الدار كما عرفت.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو : الكافر على إرادة الجنس.
وفي الآية تهديد لهم بأنّهم سوف يعلمون من تكون عاقبته الجنّة ، حين يدخل المؤمنون الجنّة والكافرون النار.
وقيل : معناه : سيعلمون لمن العاقبة المحمودة ، لكم أم لهم ، إذا اظهر الله دينه.
(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً) قيل : المراد بهم رؤساء اليهود (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) فإنّه أظهر من الدلالات على رسالتي ما يغني عن شاهد يشهد عليها (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) علم القرآن وما ألف عليه من النظم المعجز.
أو علم التوراة ، وهو ابن سلام وأضرابه. أو علم اللوح المحفوظ ، وهو الله تعالى.
والمعنى : كفى بالّذي يستحقّ العبادة ، وبالّذي لا يعلم ما في اللوح المحوظ إلّا هو ، شهيدا بيني وبينكم ، فيخزى الكاذب منّا. وارتفاع علم الكتاب بالظرف ، فإنّه معتمد