الفرقان». أو متعلّق بـ «عليم» ، أي : يعلم المصالح ، إذ يقلّلهم في عينك في رؤياك ، وذلك أنّ الله سبحانه أراه إيّاهم في رؤياه قليلا ، فأخبر بذلك أصحابه ، فكان تثبيتا لهم وتشجيعا على عدوّهم.
(وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ) لجبنتم (وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) أمر القتال ، وتفرّقت آراؤكم بين الثبات والفرار (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) أنعم بالسلامة من الفشل والتنازع (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) يعلم ما سيكون وما يغيّر أحوالها ، من الجرأة والجبن والصبر والجزع.
(وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ) الضميران مفعولا «يري» (إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً) حال من المفعول الثاني. وإنّما قلّلهم في أعين المسلمين لا غير ، لما روي عن ابن مسعود أنّه قال : لقد قلّلوا في أعيننا حتّى قلت لرجل إلى جنبي : أتراهم سبعين؟ فقال : أتراهم مائة؟ تصديقا لرؤيا رسول الله وتثبيتا لهم.
(وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) حتّى قال أبو جهل : إنّ محمدا وأصحابه أكلة جزور.
وروي أيضا أنّه كان يقول : خذوهم بالأيدي أخذا ، ولا تقاتلوهم.
وإنّما قلّلهم في أعينهم قبل القتال ليجترؤا عليهم ، ولا يستعدّوا لهم بعد اللقاء ، ثم كثّرهم حتّى يرونهم مثليهم ، لتفجأهم الكثرة فتبهتهم ، وتكسر قلوبهم ، وتفلّ (١) شوكتهم حين يرون ما لم يكن في حسابهم. وهذا من عظائم آيات تلك الوقعة ، فإنّ البصر وإن كان قد يرى الكثير قليلا والقليل كثيرا ، لكن لا على هذا الوجه ولا إلى هذا الحدّ ، وإنّما يتصوّر ذلك بصدّ الله الأبصار عن إبصار بعض دون بعض ، مع التساوي في شروط الرؤية.
(لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) كرّره لاختلاف المعلّل به. أو لأنّ المراد بالأمر ثمّ الاكتفاء على الوجه المحكي ، وهاهنا إعزاز الإسلام وأهله ، وإذلال الشرك وحزبه. (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) امور العباد ، فيجازيهم على ما يستحقّونه.
__________________
(١) أي : تكسر.