ربّكم لما دعاكم بالأدلّة الواضحة والحجج الباهرة.
وهذا دليل على أنّ الإنسان هو الّذي يختار الشقاوة أو السعادة ، ويحصّلها لنفسه ، وليس من الله إلّا التمكين ، ولا من الشيطان إلّا التزيين. ولو كان الأمر كما تزعم المجبّرة لقال : فلا تلوموني ولا أنفسكم ، فإنّ الله قد قضى عليكم الكفر وأجبركم عليه.
لا يقال : هذا قول الشيطان ، فلا يجوز التمسّك به في بطلان قول المجبّرة.
لأنّا نقول : لو كان صدور هذا القول من الشيطان باطلا لبيّن الله بطلانه ، وأظهر إنكاره ، فتقريره دالّ على صحّته.
(ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ) بمغيثكم من العذاب (وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَ) بمغيثي.
وقرأ حمزة بكسر الياء ، على الأصل في التقاء الساكنين. وهو أصل مرفوض في مثله ، لما فيه من اجتماع ياءين وثلاث كسرات. مع أنّ حركة ياء الإضافة هي الفتح ، فإذا لم تكسر وقبلها ألف ـ نحو : عصاي ورحاي ـ فبالحريّ أن لا تكسر وقبلها ياء.
(إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) «ما» إمّا مصدريّة ، و «من» متعلّقة بـ «أشركتموني» ، أي : كفرت اليوم بإشراككم إيّاي من قبل هذا اليوم ، أي : في الدنيا ، بمعنى : تبرّأت منه واستنكرته ، كقوله : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) (١). أو موصولة ، بمعنى «من» ، نحو «ما» في قولهم : سبحان ما سخّركنّ لنا ، و «من» متعلّقة بـ «كفرت» ، أي : كفرت بالّذي أشركتمونيه ـ وهو الله تعالى ـ بطاعتكم إيّاي فيما دعوتكم إليه من عبادة الأصنام وغيرها من قبل إشراككم ، حين رددت أمره بالسجود لآدم. و «أشركت» منقول من : شركت زيدا للتعدية إلى مفعول ثان. فتقول : شركت زيدا ، ثمّ تقول : أشركنيه فلان ، أي : جعلني له شريكا.
__________________
(١) فاطر : ١٤.