ندعوك إظهارا للعبوديّة لك ، وتخشّعا لعظمتك ، وتذلّلا لعزّتك ، وافتقارا إلى ما عندك ، واستعجالا لنيل مواهبك ، وولها إلى رحمتك ، كما يتملّق العبد بين يدي سيّده رغبة في إصابة معروفه ، مع توفّر السيّد على الوجه الحسن.
(وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) أي : هو علّام الغيوب في كلّ مكان من الأرض والسماء ، لأنّه العالم بعلم ذاتيّ يستوي إلى كلّ معلوم. و «من» للاستغراق.
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ) أي : مع الكبر ، كقول الشاعر : إنّي على ما ترين من كبري ... وهو في موضع الحال ، أي : وهب لي وأنا كبير آيس من الولد (إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) قيّد الهبة بحال الكبر استعظاما للنعمة ، من حيث إنها حال وقوع اليأس من الولادة ، والظفر بالحاجة على عقب اليأس ، من أجلّ النعم وأحلاها في نفس الظافر ، وإظهارا لما فيها من آلائه. روي أنّه ولد له إسماعيل لتسع وتسعين سنة ، وإسحاق لمائة واثنتي عشرة سنة.
(إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) أي : لمجيبه ، من قولك : سمع الملك كلامي ، إذا اعتدّ به. وهو من أبنية المبالغة العاملة عمل الفعل ، أضيف إلى مفعوله. ويجوز أن يكون من قبيل إضافة الفعل إلى فاعله ، فيجعل دعاء الله سميعا على الإسناد المجازي ، والمراد سماع الله الدعاء. وفيه إشعار بأنّه دعا ربّه وسأل منه الولد حال اليأس ، فأجابه ووهب له سؤله حينما وقع اليأس منه.
(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ) هذا سؤال من إبراهيم من الله بأن يلطف له اللطف الّذي عنده يقيم الصلاة ، معدّلا لها مواظبا عليها (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) عطف على المنصوب في «اجعلني». والتبعيض لعلمه بإعلام الله أنّه يكون في ذرّيّته كفّار ، وذلك قوله : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١).
__________________
(١) البقرة : ١٢٤.