فعرضت لها الغيرة ، فناشدته أن يخرجهما من عندها. فأخرجهما إلى أرض مكّة.
فأظهر الله عين زمزم. ثمّ إنّ جرهم رأو ثمّ طيورا فقالوا : لا طير إلّا على الماء ، فقصدوه فرأوهما وعندهما عين ، فقالوا : أشركينا في مائك نشركك في ألباننا ، ففعلت. وتفصيل هذه القصّة مرّت قبل (١).
(رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ) اللام لام «كي» متعلّقة بـ «أسكنت» أي : ما أسكنتهم بهذا الوادي البلقع من كلّ مرتفق ومرتزق إلّا لإقامة الصلاة عند بيتك المحرّم.
وتكرير النداء وتوسيطه للإشعار بأنّها المقصودة بالذات من إسكانهم ثمّة ، والمقصود من الدعاء توفيقهم لها.
وقيل : لام الأمر. والمراد هو الدعاء لهم بإقامة الصلاة ، كأنّه طلب منهم الإقامة ، وسأل من الله أن يوفّقهم لها.
(فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ) أي : أفئدة من أفئدة الناس. و «من» للتبعيض.
ويدلّ عليه ما روي عن مجاهد : لو قال : أفئدة النّاس ، لازدحمت عليهم فارس والروم. وعن سعيد بن جبير : لو قال : افئدة الناس ، لحجّت اليهود والنصارى والمجوس. أو للابتداء ، كقولك : القلب منّي سقيم ، أي : أفئدة ناس. (تَهْوِي إِلَيْهِمْ) تسرع إليهم شوقا وودادا.
(وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ) مع سكناهم واديا لا نبات فيه ، بأن تجلب إليه من البلاد (لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) في أن يرزقوا أنواع الثمرات ، حاضرة في واد ليس فيه زرع ولا شجر ولا ماء. فأجاب الله دعوته ، فجعله حرما آمنا تجبى إليه ثمرات كلّ شيء ، حتّى يوجد فيه الفواكه الربيعيّة والصيفيّة والخريفيّة في يوم واحد.
(رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ) تعلم سرّنا كما تعلم علننا. والمعنى : أنّك أعلم بأحوالنا ومصالحنا ، وأرحم بنا منّا بأنفسنا ، فلا حاجة لنا إلى الطلب ، لكنّا
__________________
(١) راجع ج ١ ص ٢٣٢ ذيل الآية ١٢٦ من سورة البقرة.