(وَأَنْذِرِ النَّاسَ) يا محمّد (يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ) يعني : يوم القيامة ، أو يوم الموت ، أو يوم هلاكهم بالعذاب العاجل ، فإنّه أوّل أيّام عذابهم. وهو مفعول ثان لـ «أنذر».
(فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) نفوسهم بالشرك والتكذيب (رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) أخّر العذاب عنّا. أو ردّنا إلى الدنيا ، وأمهلنا إلى حدّ من الزمان قريب. أو أخّر آجالنا ، وأبقنا مقدار ما نؤمن بك ونجيب دعوتك (نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ) جواب للأمر. ونظيره : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) (١).
فيقول الله تعالى مخاطبا لهم ، أو يقول الملائكة بأمره : (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ) من انتقال إلى دار اخرى. وهو على إرادة القول ، و «ما لكم» جواب القسم ، جاء بلفظ الخطاب على المطابقة دون الحكاية. ولو حكى لفظ المقسمين لقيل : ما لنا من زوال. والمعنى : أقسمتم أنّكم باقون في الدنيا ، لا تزالون بالموت. ولعلّهم أقسموا بطرا وغرورا ، لما استولى عليهم من عادة الجهل والسفه ، أو دلّ عليه حالهم ، حيث بنوا شديدا وأملوا بعيدا.
وقيل : أقسموا أنّهم لا ينتقلون إلى دار اخرى ، يعني : أنّهم كفروا بالبعث ، كقوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) (٢). (لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) (٣).
(وَسَكَنْتُمْ) من السكون ، أو السكنى (فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالكفر والمعاصي ، كعاد وثمود. وأصل «سكن» أن يعدّى بـ «في» كقرّ وغني وأقام.
وقد يستعمل بمعنى التبوّء ، فيجري مجراه ، كقولك : سكنت الدار. والمعنى :
__________________
(١) المنافقون : ١٠.
(٢) النور : ٥٣.
(٣) النحل : ٣٨.