الجبال الراسية ـ من دلائل النبيّ وشرائعه ـ في الثبات والتمكّن. يعني : لا تزول منه الجبال ، فكيف يزول منه الدين الّذي هو أثبت من الجبال؟! وقيل : مخفّفة من الثقيلة ، أي : وإنّه كان مكرهم ليزيلوا به ما هو كالجبال الراسية ثباتا وتمكّنا ، من آيات الله وشرائعه. يعني : أنّ مكرهم وإن بلغ كلّ مبلغ فلا يزيل دين الله ، ولا يضرّ ذلك أنبياءه ، ولا يزيل أمرهم ، ولا سيّما أمر محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإنّه أثبت من الجبال.
وقرأ الكسائي بالفتح والرفع ، على أنّها المخفّفة ، واللام هي الفاصلة. ومعناه : تعظيم مكرهم.
قيل : إنّ المراد به نمرود بن كوش بن كنعان ، حين أخذ التابوت ، وأخذ أربعة من النسور فأجاعها أيّاما ، وعلّق فوقها لحما ، وربط التابوت إليها ، وطارت النسور بالتابوت وهو ووزيره فيه ، إلى أن بلغت حيث شاء الله تعالى ، وظنّ أنّه بلغ السماء ، ففتح باب التابوت من أعلاه فرأى بعد السماء منه كبعدها حين كان في الأرض ، وفتح بابا من أسفل التابوت فرأى الأرض قد غابت عنه ، فهاله الأمر ، فصوّب النسور ، وسقط التابوت ، وكانت له وجبة. وهذا القول مرويّ عن ابن مسعود وابن عبّاس وجماعة.
(فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) مثل قوله : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا) (١) ، (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) (٢). وأصله : مخلف رسله وعده ، فقدّم المفعول الثاني إيذانا بأنّه لا يخلف وعده أصلا ، كقوله : (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) (٣). وإذا لم يخلف وعده أحدا فكيف يخلف رسله الّذين هم خيرته وصفوته؟!
__________________
(١) غافر : ٥١.
(٢) المجادلة : ٢١.
(٣) آل عمران : ٩.