ومعنى التقليل فيه : الإيذان بأنّهم لو كانوا يودّون الإسلام مرّة فبالحريّ أن يسارعوا إليه ، فكيف وهم يودّونه كلّ ساعة! وقيل : تدهشهم أهوال القيامة ، فإن حانت منهم إفاقة في بعض الآنات من سكرتهم تمنّوا ذلك.
وقوله : (لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) حكاية ودادهم. وإنّما جيء بها على لفظ الغيبة لأنّهم مخبر عنهم ، كقولك : حلف بالله ليفعلنّ. ولو قيل : لو كنّا مسلمين ، وحلف بالله لأفعلنّ ، لكان حسنا ، لكن إيثار الحكاية هو الأحسن ، لئلّا يلتبس بقول المتكلّم الحاكي.
(ذَرْهُمْ) أي : اقطع طمعك منهم ، ودعهم عن النهي عمّا هم عليه ، والصدّ عنه بالتذكرة والنصيحة ، وخلّهم (يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا) بدنياهم وتنفيذ شهواتهم (وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ) ويشغلهم أملهم وتوقّعهم لطول الأعمار واستقامة الأحوال عن الاستعداد للمعاد (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) سوء صنيعهم إذا عاينوا جزاءه. والغرض إقناط الرسول من ارعوائهم ، وإيذانه بأنّهم من أهل الخذلان ، فلا ينفعهم الوعظ ، ولا ينجع فيهم النصح ، فنصحهم بعد اشتغال بما لا طائل تحته.
وفيه إلزام للحجّة ، وتحذير عن إيثار التنعّم وما يؤدّي إليه طول الأمل ، ومبالغة في الإنذار منه ، وتنبيه على أنّ الإنسان يجب أن يكون مقصور الهمّة على أمور الآخرة ، مستعدّا للموت ، مسارعا إلى التوبة ، ولا يأمل الآمال المؤدّية إلى الصدّ عنها.
وروي عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال : «أخوف ما أخاف عليكم اثنان : اتّباع الهوى وطول الأمل ، فإنّ اتّباع الهوى يصدّ عن الحقّ ، وطول الأمل ينسي الآخرة».
وعن بعض العلماء : التمرّغ في الدنيا من أخلاق الهالكين.
(وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) مكتوب مقدّر معيّن ، وهو أجلها الّذي كتب في اللوح المحفوظ. والمستثنى جملة واقعة صفة لـ «قرية». والأصل أن