مِنْهُ شَرابٌ) ما تشربونه. و «لكم» صلة «أنزل» ، أو خبر «شراب» ، و «من» تبعيضيّة متعلّقة به. وتقديمها يوهم حصر المشروب فيه. ولا بأس به ، لأنّ مياه العيون والآبار منه ، لقوله : (فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ) (١) ، وقوله : (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) (٢).
(وَمِنْهُ شَجَرٌ) ومنه يكون شجر. قيل : معناه : لكم من ذلك الماء شراب ، ومنه شرب شجر أو سقي شجر ، فحذف المضاف. أو لكم من سقيه شجر ، فحذف المضاف إلى الهاء في «منه». والمراد بالشجر الّذي ترعاه المواشي. وقيل : كلّ ما نبت على الأرض شجر.
(فِيهِ تُسِيمُونَ) ترعون أنعامكم من غير كلفة والتزام مؤونة لعلفها. من : سامت الماشية إذا رعت ، وأسامها صاحبها. وأصله : السومة ، وهي العلامة ، لأنّها تؤثّر بالرعي علامات في الأرض.
(يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ) بذلك المطر (الزَّرْعَ) وقرأ أبو بكر بالنون على التفخيم (وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) وبعض كلّها ، إذ لم ينبت في الأرض كلّ ما يمكن من الثمار ، بل كلّ الثمار في الجنّة. ولعلّ تقديم ما يسام فيه على ما يؤكل منه ، لأنّه سيصير غذاء حيوانيّا هو أشرف الأغذية ، ومن هذا تقديم الزرع والتصريح بالأجناس الثلاثة وترتيبها.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) على وجود الصانع وكمال حكمته وقدرته ، فإنّ من تأمّل أن الحبّة تقع في الأرض ، وتصل إليها نداوة تنفذ فيها فينشقّ أعلاها ، ويخرج منه ساق الشجرة ، وينشقّ أسفلها فيخرج منه عروقها ، ثمّ ينمو ويخرج منه الأوراق والأزهار والأكمام والثمار ، ويشتمل كلّ منها على أجسام مختلفة الأشكال والطباع ، مع اتّحاد الموادّ ونسبة الطبائع السفليّة والتأثيرات الفلكيّة إلى الكلّ ، علم أنّ ذلك ليس إلّا بفعل فاعل مختار مقدّس عن منازعة الأضداد
__________________
(١) الزمر : ٢١.
(٢) المؤمنون : ١٨.