ثمّ بيّن ما اقتضى إصرارهم على الشرك بعد وضوح الحقّ ، من عدم إيمانهم بالآخرة ، فقال : (فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) جاحدة للحقّ ، مستبعدة لما يرد عليها من المواعظ (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) عن الانقياد للحقّ ، دافعون له من غير حجّة ، فإنّ المؤمن بالآخرة يكون طالبا للدلائل ، متأمّلا فيما يسمع ، فينتفع به ، والكافر بها يكون حاله بالعكس. يعني : أنكرت قلوبهم ما لا يعرف إلّا بالبرهان ، اتّباعا للأسلاف ، وركونا إلى المألوف ، فإنّه ينافي النظر ، واستكبرت عن اتّباع الرسول وتصديقه ، والالتفات إلى قوله. والأوّل هو العمدة في هذا الباب ، ولذلك رتّب عليه الآخرين.
(لا جَرَمَ) حقّا (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) فيجازيهم. وهو في موضع الرفع بـ «جرم» ، لأنّه فعل أو مصدر. (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) فضلا عن الّذين استكبروا عن توحيده أو اتّباع رسوله.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤) لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (٢٥) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٦) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (٢٧) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٢٩))