دعا إلى الهدى فاتّبع ، فله مثل أجورهم ، من غير أن ينقص من أجورهم شيء.
وأيّما داع دعا إلى ضلالة فاتّبع عليه ، فإنّ عليه مثل أوزار من اتّبعه ، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».
(قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي : جعلوا وسائل ليمكروا بها رسل الله (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) فأتاها أمره من جهة أساطين البناء الّتي بنوا عليها ، بأن ضعضعت (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) وصار سبب هلاكهم (وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) لا يحتسبون ولا يتوقّعون. وهو على سبيل التمثيل لاستئصالهم.
والمعنى : أنّهم سوّوا منصوبات ليمكروا رسل الله بها ، فجعل الله هلاكهم في تلك المنصوبات ، كحال قوم بنوا بنيانا وعمدوه بالأساطين ، فأتى البنيان من الأساطين ، بأن ضعضعت فسقط عليهم السقف وهلكوا.
وعن ابن عبّاس : المراد به نمرود بن كنعان ، بنى الصرح ببابل ، سمكه خمسة آلاف ذراع ، وقيل : فرسخان ، ورام منه الصعود إلى السماء ليقاتل أهلها بزعمه ، أو ليترصّد أمر السماء ، فأهبّ الله الريح فخرّ عليه وعلى قومه فهلكوا. وقيل : ألقت رأس الصرح في البحر ، وخرّ عليهم الباقي. والأوّل أليق ، وأفيد للعموم ، وأليق بكلام العرب ، كما قالوا : أتي فلان من مأمنه ، أي : أتاه الهلاك من جهة مأمنه. وذكر الفوق مع حصول العلم بأنّ السقف لا يكون إلّا من فوق للتأكيد ، كما يقال : مشيت برجلي ، وتكلّمت بلساني.
(ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ) ثمّ يذلّهم أو يعذّبهم بالنار ، كقوله : (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) (١). (وَيَقُولُ) على سبيل التوبيخ لهم والتهجين (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ) تشركونهم معي في العبادة. فأضاف إلى نفسه استهزاء ، أو حكاية لإضافتهم زيادة في توبيخهم. وقرأ البزّي بخلاف عنه : أين شركائي بغير
__________________
(١) آل عمران : ١٩٢.