الأحرار والعبيد؟! وتقييد العبد بالمملوك للتمييز بينه وبين الحرّ ، فإنّه أيضا عبد الله. وسلب القدرة عنه للتمييز عن المكاتب والمأذون. وجعله قسيما للمالك المتصرّف يدلّ على أنّ المملوك لا يملك. و «من» موصوفة ، كأنّه قيل : وحرّا ، ليطابق : عبدا. ولا يمتنع أن تكون موصولة.
مثّل ما يشرك به بالمملوك العاجز عن التصرّف رأسا ، ومثّل نفسه بالحرّ المالك الّذي رزقه الله مالا كثيرا ، فهو يتصرّف فيه وينفق منه كيف يشاء. واحتجّ بامتناع الاشتراك والتسوية بينهما ، مع تشاركهما في الجنسيّة والمخلوقيّة ، على امتناع التسوية بين الأصنام الّتي هي أعجز المخلوقات ، وبين الله الغنيّ القادر على الإطلاق.
وتوضيح المعنى : أنّ الاثنين المتساويين في الخلق ، إذا كان أحدهما مالكا قادرا على الإنفاق ، والآخر مملوكا لا يمكن أن يكون مالكا لشيء مّا ، لا يستويان ، فكيف يستوي بين الحجارة الّتي لا تعقل بل لا تتحرّك ، وبين الله القادر على كلّ شيء ، الخالق الرازق لجميع خلقه؟! وقيل : إنّ هذا المثل للكافر والمؤمن ، فإنّ الكافر لا خير عنده ، والمؤمن يكسب الخير. نبّه سبحانه بذلك على اختلاف حالهما ، فدعا إلى حال المؤمن ، وصرف عن حال الكافر.
ولمّا ذكر هذا المثال ، وكان مثلا مطابقا للغرض ، كاشفا عن المقصود ، قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) الّذي دلّنا على توحيده ومعرفته ، وهدانا إلى شكر نعمته ، وأوضح لنا السبيل إلى جنّته. أو كلّ الحمد له ، لا يستحقّه غيره ، فضلا عن العبادة ، لأنّه مولى النعم كلّها. (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) فيضيفون نعمه إلى غيره ، ويعبدونه لأجلها.