شرّ إلّا وهو مندرج في هذه الأقسام ، صادر بتوسّط إحدى هذه القوى الثلاث.
ولذلك قال ابن مسعود : هي أجمع آية في القرآن للخير والشرّ ، ولو لم يكن في القرآن غير هذه الآية لصدق عليه أنّه تبيان لكلّ شيء وهدى ورحمة للعالمين.
ولعلّ إيرادها عقيب قوله : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) للتنبيه عليه.
(يَعِظُكُمْ) بالأمر والنهي ، والتمييز بين الخير والشرّ ، وسائر ما تضمّنت هذه الآية من مكارم الأخلاق (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) تتّعظون.
قال في الكشّاف : «حين أسقطت من الخطب لعنة الملاعين على أمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه أقيمت هذه الآية مقامها ، ولعمري إنّها كانت فاحشة ومنكرا وبغيا ، ضاعف الله لمن سنّها غضبا ونكالا وخزيا ، إجابة لدعوة نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : «وعاد من عاداه ، واخذل من خذله» (١).
وجاءت الرواية أنّ عثمان بن مظعون قال : كنت أسلمت استحياء من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لكثرة ما كان يعرض عليّ الإسلام ولم يقرّ في قلبي. وكنت ذات يوم عنده فشخص بصره نحو السماء ، كأنّه يستفهم شيئا ، فلمّا سرى عنه سألته عن حاله. فقال : نعم ، بينا أنا أحدّثك إذ رأيت جبرئيل في الهواء فأتاني بهذه الآية : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) ، وقرأها عليّ إلى آخرها.
فقرّ الإسلام في قلبي ، وأتيت عمّه أبا طالب فأخبرته ، فقال : يا آل قريش اتّبعوا محمّدا ترشدوا ، فإنّه لا يأمركم إلّا بمكارم الأخلاق.
وأتيت الوليد بن المغيرة وقرأت عليه هذه الآية ، فقال : إن كان محمّد قاله فنعم ما قال ، وإن قاله ربّه فنعم ما قال. قال : فأنزل الله : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى) (٢). يعني : قوله : فنعم ما قال. ومعنى قوله : «وأكدى» أنّه لم يقم على ما قاله وقطعه.
__________________
(١) الكشّاف ٢ : ٦٢٩.
(٢) النجم : ٣٣ ـ ٣٤.