ثمّ أكّد ذلك بالنهي عن التحريم والتحليل بأهوائهم ، فقال : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) كما قالوا : (ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا) (١) الآية. وانتصاب الكذب بـ «لا تقولوا». و «هذا حلال وهذا حرام» بدل منه. أو متعلّق بـ «تصف» على إرادة القول ، أي : ولا تقولوا الكذب لما تصفه ألسنتكم فتقولوا : هذا حلال وهذا حرام. أو مفعول «لا تقولوا» ، والكذب منصوب بـ «تصف» ، و «ما» مصدريّة ، أي : ولا تقولوا : هذا حلال وهذا حرام لوصف ألسنتكم الكذب. والمعنى : لا تحلّلوا ولا تحرّموا بمجرّد قول تنطق به ألسنتكم من غير دليل.
ووصف ألسنتهم الكذب مبالغة في وصف كلامهم بالكذب ، كأنّ حقيقة الكذب كانت مجهولة وألسنتهم تصفها وتعرّفها بكلامهم هذا ، ولذلك عدّ من فصيح الكلام ، كقولهم : وجهها يصف الجمال ، وعينها تصف السحر.
(لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) اللام للعاقبة ، لأنّ الافتراء ما كان غرضا ، كقوله : (عَدُوًّا وَحَزَناً) (٢) (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) لا ينجون من عذاب الله ، ولا ينالون خيرا.
ولمّا كان المفتري يفتري لتحصيل مطالبه الدنيويّة نفى عنهم الفلاح ، وبيّنه بقوله : (مَتاعٌ قَلِيلٌ) أي : ما يفترون لأجله أو ما هم فيه منفعة قليلة تنقطع عن قريب (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة.
(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ) أي : في سورة الأنعام في قوله : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) (٣) (مِنْ قَبْلُ) متعلّق بـ «قصصنا» أو
__________________
(١) الأنعام : ١٣٩.
(٢) القصص : ٨.
(٣) الأنعام : ١٤٦.