السيّئة ، بيّن خلال إبراهيم الخليل ونعته الجليل ليقتدوا به ، فقال : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) أي : كان وحده أمّة من الأمم ، لكماله في جميع صفات الخير ، واستجماعه فضائل لا تكاد توجد إلّا مفرّقة في أشخاص كثيرة ، كقوله :
ليس من الله بمستنكر |
|
أن يجمع العالم في واحد |
وهو رئيس الموحّدين ، وقدوة المحقّقين ، الّذي جادل فرق المشركين ، وأبطل مذاهبهم الزائغة بالحجج الدامغة. ولذلك عقّب أحوال المشركين بذكره تزييفا لمذاهبهم الزائغة ، من الشرك ، والطعن في النبوّة ، وتحريم ما أحلّه. أو لأنّه كان وحده مؤمنا ، وكان سائر الناس كفّارا.
وقيل : هي فعلة بمعنى مفعول ، كالرحلة بمعنى ما يرتحل إليه ، والنخبة بمعنى ما ينتخب به ، من : أمّه إذا قصده أو اقتدى به ، فإنّ الناس كانوا يؤمّونه للاستفادة ، ويقتدون بسيرته ، كقوله تعالى : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) (١). قال ابن الأعرابي : يقال للرجل العالم أمّة ، لأنّه قدوة معلّم الخير.
(قانِتاً لِلَّهِ) مطيعا له ، قائما بأوامره دائما (حَنِيفاً) مائلا عن الباطل إلى الإسلام ، مستقيما على الطاعة وطريق الحقّ (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) كما زعموا ، فإنّ قريشا كانوا يزعمون أنّهم على ملّة إبراهيم.
(شاكِراً لِأَنْعُمِهِ) معترفا بها. ذكر بلفظ القلّة للتنبيه على أنّه كان لا يخلّ بشكر النعم القليلة ، فكيف بالكثيرة؟! روي أنّه كان لا يتغدّى إلّا مع ضيف ، فلم يجد ذات يوم ضيفا فأخّر غداءه ، فإذا هو بفوج من الملائكة في صورة البشر ، فدعاهم إلى الطعام ، فخيّلوا له أنّ بهم جذاما ، فقال : الآن وجبت مؤاكلتكم شكرا لله على أنّه عافاني وابتلاكم.
(اجْتَباهُ) واصطفاه للنبوّة (وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) في الدعوة إلى الله.
__________________
(١) البقرة : ١٢٤.