ولمّا قسّم المؤمنين ثلاثة أقسام ، بيّن أنّ الكاملين في الايمان منهم هم الّذين حقّقوا إيمانهم ، فقال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا). ثمّ وعد لهم الموعد الكريم بقوله : (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) لا تبعة ولا منّة فيه ، وذلك لأنّهم حقّقوا إيمانهم بالهجرة والنصرة ، والانسلاخ من الأهل والمال لأجل الدين. وليس بتكرار ، لأنّ هذه الآية واردة للثناء عليهم والشهادة لهم مع الموعد الكريم ، والآية الأولى للأمر بالتواصل.
ثمّ ألحق بهم في الأمرين من سيلحق بهم ويتّسم بسمتهم ، فقال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ) من بعد فتح مكّة. وقيل : من بعد إيمانكم. (وَهاجَرُوا) بعد هجرتكم (وَجاهَدُوا) في الجهاد وبذل الأموال فيه (مَعَكُمْ) أيّها المؤمنون. يريد اللاحقين بعد السابقين إلى الهجرة ، كقوله : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) (١) فألحقهم الله بهم تفضّلا منه وترغيبا ، فقال : (فَأُولئِكَ مِنْكُمْ) أي : من جملتكم أيّها المهاجرون والأنصار ، وحكمهم كحكمكم في وجوب موالاتهم ونصرتهم وإن تأخّر إيمانهم وهجرتهم.
(وَأُولُوا الْأَرْحامِ) وأولوا القرابات (بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) في حكمه ، أو في اللوح ، أو في القرآن. وهذا نسخ للتوارث بالهجرة والنصرة كما مرّ آنفا. وفيه دلالة على أن من كان أقرب إلى الميّت في النسب كان أولى بالميراث.
(إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) من المواريث والحكمة ، في إناطتها بنسبة الإسلام والمظاهرة أوّلا ، واعتبار القربة ثانيا.
__________________
(١) الحشر : ١٠.