قبله ولا بعده ، فعظم في قلب كلّ مؤمن وكافر ، وظهر فيه عزّ المسلمين وذلّ المشركين.
(أَنَّ اللهَ) أي : بأنّ الله ، حذف الباء تخفيفا. (بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي : من عهودهم (وَرَسُولِهِ) عطف على الضمير المستكن في «بريء» (فَإِنْ تُبْتُمْ) من الكفر والغدر (فَهُوَ) فالتوب (خَيْرٌ لَكُمْ) من الإقامة عليهما ، لأنّكم تنجون به من خزي الدنيا وعذاب الآخرة (وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) عن التوبة ، أو تبتم على التولّي والإعراض عن الإسلام والوفاء (فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) غير سابقين الله هربا ، ولا فائتين أخذه وعقابه. وفي هذا إعلام بأنّ الإمهال ليس بعجز ، بل إنّما هو لإظهار الحجّة والمصلحة.
ثمّ أوعدهم بعذاب الآخرة فقال : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) في الآخرة. وذكر البشارة مكان النذارة للتهكّم.
وقوله : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) استثناء من المشركين أو استدراك ، فكأنّه قيل لهم بعد أن أمروا بنبذ العهد إلى الناكثين : ولكن الّذين عاهدوا منهم (ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً) من شروط العهد أصلا ولم ينكثوه ، أو لم يقتلوا منكم ولم يضرّوكم قطّ (وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً) من أعدائكم (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) إلى تمام مدّتهم الّتي وقع العهد إليها ، ولا تجروهم مجرى الناكثين ، ولا تجعلوا الوفيّ كالغادر (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) تعليل وتنبيه على أنّ إتمام عهدهم من باب التقوى.
والمراد بهم بنو كنانة وبنو ضمرة وأشباههم ، فإنّهم قد بقي من أجلهم تسعة أشهر ، فأمر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بإتمامها لهم ، لأنّهم لم يظاهروا على المؤمنين ، ولم ينقضوا عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. أو المراد أهل هجر وأهل البحرين وأيلة ودومة الجندل ، فإنّ له عليهالسلام عليهم عهودا بالصلح والجزية ، ولم ينبذ إليهم بنقض عهد ولا حاربهم بعد ، لأنّهم لم ينقضوا العهود ، وكانوا أهل ذمّة إلى أن مضى لسبيله صلىاللهعليهوآلهوسلم.