وأما المفسدة (١)
______________________________________________________
(١) معطوف على قوله : «أما العقوبة» أي : وأما إذا كان المراد بالضرر المذكور في صغرى الدليل هو المفسدة فلأنها ... إلخ ، وهذا هو الاحتمال الثاني في المراد من الضرر المذكور في صغرى الدليل ، وقد أجاب عنه بوجهين ، ثانيهما ما سيذكره بقوله : «مع منع كون الأحكام تابعة ... إلخ» ، وأولهما ما ذكره هنا بقوله : «فلأنها وان كان الظن ... إلخ» وسننبه في توضيح الوجه الثاني على أنه كان الأولى تقديمه على هذا الوجه الأول ، وكيف كان فتوضيح هذا الوجه الأول : أن المفسدة وان كانت مظنونة بظن التكليف ، حيث ان الملاكات من قبيل الأمور التكوينية والخواصّ المترتبة على الأشياء التي لا تنفك عنها ، فالظن بالتكليف كالعلم به والشك فيه مستلزم للظن بالملاك أو العلم به أو الشك فيه ، فان الملازمة بين الحكم وبين ملاكه ثابتة في جميع المراحل ، بخلاف العقوبة كما عرفت ، فلا يمكن التفكيك بين الظن بالحكم وبين الظن بملاكه ، إلّا أن هذا التكليف اما أن يكون هو الحرمة ، واما أن يكون هو الوجوب ، فان كان هو الوجوب كانت المفسدة المظنونة ـ لو خولف الوجوب المظنون ـ هو فوات المصلحة ، وسيأتي التعرض له عند قول المصنف : «وأما تفويت المصلحة ... إلخ». وان كان هو الحرمة ، فالمفسدة وان كانت مظنونة حينئذ ، إلّا أن المفاسد على قسمين ، فانها قد تكون نوعية وقد تكون شخصية ، فان كانت نوعية لم توجب ضررا على الفاعل كإيذاء أحد معاندي الدين في مركز أهل الديانة ، فانه لا يوجب ضررا على الفاعل وان كان ضررا على المؤمنين القاطنين في أقطار أعداء الدين ، فالمفسدة النوعية توجب قبح الفعل ، لكنها ليست ضررا على الفاعل حتى يجب عليه دفعه عند الظن به ، فنفس عنوان المفسدة ليس ضررا ولا ملازما له.