أبو العلاء وأنشد قصيدته الفائية التي أولها :
أودى فليت الحادثات كفاف |
|
مال المسيف وعنبر المستاف |
يرثي بها الشريف المذكور ، فلما سمعه الرضي والمرتضى قاما إليه ورفعا مجلسه وقالا له : لعلك أبو العلاء المعري ، قال : نعم ، فأكرماه واحترماه. ثم إنه بعد ذلك طلب أن تعرض عليه الكتب التي في خزائن بغداد ، فأدخل إليها وجعل لا يقرأ عليه كتاب إلا حفظ جميع ما يقرأ عليه.
سير إليّ قاضي المعرة شهاب الدين أبو المعالي أحمد بن مدرك بن سليمان جزءا فيه أخبار سلفه من بني سليمان وكتبه لي بخطه قال ـ وذكر أبا العلاء المعري أحمد بن عبد الله بن سليمان ـ : ورحل إلى بغداد سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة ودخلها سنة تسع وتسعين وأقام بها سنة وسبعة أشهر ولقي بها أبا أحمد عبد السلام بن الحسين البصري المعروف بالواجكا صاحب الرواية رحمهالله. وكتب إليه أخوه أبو الهيثم عبد الواحد بن عبد الله ابن سليمان يستعطفه على مخلفيه بالشام ويسأله العود :
يا ربّ قد جنح الوميض وغارا |
|
فاسق المواطر زينبا ونوارا |
أختين صاغهما الشباب وعصره |
|
ماء يصفّقه النعيم ونارا |
من نسوة بالبخل أصبح فخرها |
|
ومعاشر كرموا ندى ونجارا |
أسديتين ترى القليل عليهما |
|
شرفا وصمّ السمهرية زارا |
يضعون أوزار الوغى وتراهم |
|
متلفّعين مهابة ووقارا |
مستبشرين إلى الطراد وإنما |
|
يلقون منه أسنة وشفارا |
لا يفهم النجوى لسان وليدهم |
|
حتى يشق على العدوّ مغارا |
نحروا العشار فما تمدّ (١) مداهم |
|
يوما وإن غدت الرمال عشارا |
لا يألفون محلة وسواهم |
|
يصفي الوداد مآلفا وديارا |
بغداد لا سقيت ربوعك ديمة |
|
وغدت رياضك حنظلا ومرارا |
أنت العروس يروق ظاهر أمرها |
|
وتكون شينا في اليقين وعارا |
أضرمت قلبي باجتذابك ماجدا |
|
كالسيف أعجب رونقا وغرارا |
__________________
(١) في الطبعة المصرية : تمل.