وهذه الحكاية فيها من الوهم ما لا يخفى ، وذلك أنه قال : كان بأنطاكية خزانة كتب إلى آخر ما ذكره ، وهذا شيء لا يصح ، فإن أنطاكية أخذها الروم من أيدي المسلمين في ذي الحجة من سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة ، وولد أبو العلاء بعد ذلك بأربع سنين وثلاثة أشهر في ربيع الأول من سنة ثلاث وستين وثلاثمائة ، وبقيت أنطاكية في أيدي الروم إلى أن فتحها سليمان بن قطلمش في سنة سبع وسبعين وأربعمائة ، وكان أبو العلاء قد مات قبل ذلك في سنة تسع وأربعين وأربعمائة ، وأخلاها الروم من المسلمين حين استولوا عليها ، فلا يتصور أن يكون بها خزانة كتب وخازن وتقصد للاشتغال بالعلم. ويحتمل عندي أن يكون هذا بكفر طاب ، فقد كانت كفر طاب مشحونة بأهل العلم ، وكان بها من يقرأ الأدب ويشتغل به قبل أن يهجمها الفرنج في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة ، وكانت لأبي المتوج مقلد بن نصر بن منقذ في أيام أبي العلاء ، فلعله تصحف كفر طاب بأنطاكية ، وتصحيفها بها غير مستبعد ، فإن كان كذلك فابن منقذ الحاكي لهذه الحكاية هو أبو المتوج مقلد بن نصر بن منقذ وأبوه نصر ، وكفر طاب قريبة من معرة النعمان. ويحتمل أن ذلك كان بحلب ، فإن أبا العلاء دخل حلب وهو صبي ، واجتمع بمحمد بن عبد الله بن سعد النحوي ورد عليه خطأه في شعر المتنبي على ما ذكرناه في ذكر شيوخه الذين أخذ عنهم ، فيحتمل أن هذه الحكاية التي حكاها ابن منقذ كانت بحلب ، وأبو المتوج بن منقذ كان بحلب وله بها دار ومنزل ، وكان بها خزانة كتب في الشرفية التي بجامع حلب في موضع خزانة الكتب اليوم ، واتفقت فتنة في بعض أيام عاشوراء بين أهل السنة والشيعة ونهبت خزانة الكتب ، وكان ذلك في زمن أبي العلاء ، ولم يبق في خزانة الكتب إلا القليل ، وجدد الكتب فيها بعد ذلك الوزير أبو النجم هبة الله بن بديع وزير الملك رضوان ، ثم وقف غيره كتبا أخربها. وقد ذكر أبو محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي هذه الخزانة في قصيدته التائية التي كتبها من القسطنطينية يداعب أحد أصدقائه بها ، قال فيها :
أبلغ أبا الحسن السلام وقل له |
|
هذا الجفاء عداوة الشيعية |
فلأطرفنّ بما صنعت مكابرا |
|
وأبث ما لاقيت منك لبنكة |
ولأجلسنّك للقضية بيننا |
|
في يوم عاشوراء بالشرفية |
حتى أثير عليك فيها فتنة |
|
تنسيك يوم خزانة الصوفية |
وهذا أبو الحسن سالم بن علي بن تميم الفقيه ابن الكفر طابي المعروف بالحمّامي ، وكان