من فضلاء حلب ، وكان سنّي المذهب وأبو محمد الخفاجي شيعيّ ، وكان بينهما مودة ، ومكابر وبنكة من غوغاء الشيعة ، فيحتمل أن أبا العلاء لما دخل حلب وهو صبي اتفق له بخزانة الكتب ما ذكره ابن منقذ.
وقد ذكر بعض المصنفين أن أبا العلاء رحل إلى دار العلم بطرابلس للنظر في كتبها ، واشتبه عليه ذلك بدار العلم ببغداد ، ولم يكن بطرابلس دار علم في أيام أبي العلاء ، وإنما جدد دار العلم بها القاضي جلال الملك أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن عمار في سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة ، وكان أبو العلاء قد مات قبل الملك في سنة تسع وأربعين وأربعمائة ، ووقف ابن عمار بها من تصانيف أبي العلاء الصاهل والشاحج ، والسجع السلطاني ، والفصول والغايات ، والسادن ، وإقليد الغايات ، ورسالة الإغريض.
قرأت في كتاب تتمة اليتمية لأبي منصور الثعالبي ، وذكر أبا العلاء المعري فقال : وكان حدثني أبو الحسن الدلفي المصيّصي الشاعر ، وهو ممن لقيته قديما ، وحديثا في مدة ثلاثين سنة قال : لقيت بمعرة النعمان عجبا من العجب ، رأيت أعمى شاعرا ظريفا يلعب بالشطرنج والنرد ، ويدخل كل فن من الجد والهزل ويكنى أبا العلاء ، وسمعته يقول : أنا أحمد الله على العمى كما يحمده غيري على البصر ، وقد صنع لي وأحسن بي إذ كفاني رؤية الثقلاء والبغضاء. وهذا إن صح عن أبي العلاء فقد كان ذلك في حال حداثته ، فإن أبا العلاء رحمهالله كان بعيدا من اللعب والهزل.
أخبرنا قاضي المعرة شهاب الدين أبو المعالي أحمد بن مدرك بن سليمان قال : سمعت جماعة من أهلنا يقولون : كان أبو العلاء متوقد الخاطر على غاية من الذكاء من صغره ، وتحدث الناس بذلك وهو إذ ذاك صبي صغير يلعب مع الصبيان ، فكان الناس يأتون إليه ليشاهدوا منه ذلك ، فخرج جماعة من أهل حلب إلى ناحية معرة النعمان وقصدوا أن يشاهدوا أبا العلاء وينظروا ما يحكى عنه من الفطنة والذكاء ، فوصلوا إلى المعرة وسألوا عنه فقيل لهم : هو يلعب مع الصبيان ، فجاؤوا إليه وسلموا عليه فرد عليهمالسلام ، فقيل له : إن هؤلاء جماعة من أكابر حلب جاؤوا لينظروك ويمتحنوك ، فقال لهم : هل لكم في المقافاة بالشعر؟ فقالوا : نعم ، فجعل كل واحد منهم ينشد بيتا وهو ينشده على قافية حتى فرغ محفوظهم بأجمعهم وقهرهم ، فقال لهم : أعجزتم أن يعمل كل واحد منكم بيتا