يجدون رؤيتك التي فازوا بها |
|
من أنعم الله التي لا تكفر |
ذكروا بطلعتك النبي فهللوا |
|
لما طلعت من الصفوف وكبروا |
حتى انتهيت إلى المصلّى لابسا |
|
نور الهدى يبدو عليك ويظهر |
ومشيت مشية خاشع متواضع |
|
لله لا يزهى ولا يتكبر |
فلو ان مشتاقا تكلف فوق ما |
|
في وسعه لمشى إليك المنبر |
أيّدت من فصل الخطاب بحكمة |
|
تنبي عن الحق المبين وتخبر |
ووقفت في برد النبي مذكرا |
|
بالله تنذر تارة وتبشر |
هذا القدر هو المقصود مما نحن فيه وهذا الشعر هو السحر الحلال على الحقيقة والسهل الممتنع ، فلله دره ما أسلس قياده وأعذب ألفاظه وأحسن سبكه وألطف مقاصده ، وليس فيه من الحشو شيء بل جميعه نخب ، وديوانه موجود وشعره سائر فلا حاجة إلى الإكثار منه ها هنا.
ومن أخباره أنه كان بحلب شخص يقال له طاهر بن محمد الهاشمي مات أبوه وخلف له مقدار مائة ألف دينار ، فأنفقها على الشعراء والزوار في سبيل الله ، فقصده البحتري من العراق ، فلما وصل إلى حلب قيل له : إنه قد قعد في بيته لديون ركبته ، فاغتم البحتري لذلك غما شديدا وبعث المدحة إليه مع بعض مواليه ، فلما وصلته ووقف عليها بكى ودعا بغلام له وقال له : بع داري ، فقال له : أتبيع دارك وتبقى على رؤوس الناس؟ فقال : لا بد من بيعها ، فباعها بثلاثمائة دينار ، فأخذ صرة وربط فيها مائة دينار وأنفذها إلى البحتري وكتب إليه معها رقعة فيها هذه الأبيات :
لو يكون الحباء حسب الذي |
|
أنت لدينا به محلّ وأهل |
لحثيت اللجين والدر واليا |
|
قوت حثوا وكان ذاك يقلّ |
والأديب الأريب يسمح بالعذ |
|
ر إذا قصّر الصديق المقلّ |
فلما وصلت الرقعة إلى البحتري رد الدنانير وكتب إليه :
بأبي أنت أنت (١) للبر أهل |
|
والمساعي بعد وسعيك قبل |
والنوال القليل يكثر إن شا |
|
ء مرجّيك والكثير يقلّ |
__________________
(١) في الأصل : بأبي أنت والله .. والصواب ما أثبتناه نقلا عن (أخبار البحتري) للصولي.