المناقضة في جملة من المواضع التي أوضحناها ثمة.
وبالجملة فالظاهر هو القول المشهور ، وربما أشعر كلام المحقق في الشرائع هنا بموافقة ابن الجنيد أيضا حيث قال : ولا بد من ارتضاعه من الثدي في قول مشهور تحقيقا لمسمى الارتضاع إلى آخره.
قال في المسالك : واعلم أن نسبة المصنف اشتراط الارتضاع من الثدي إلى قول مشهور يشعر بتردده فيه ، أو أنه لم يجد عليه دليلا كما هو المنقول عنه في اصطلاحه وهو يدل على الميل إلى قول ابن الجنيد ، انتهى ، وهو ضعيف.
الثالث : لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه يشترط في الرضاع المحرم أن يكون المرضعة حية ، فلو ارتضع من ميتة العدد أو تمامه لم ينشر حرمة ، ويدل عليه ظاهر الآية وهي قوله تعالى (١) «وَأُمَّهاتُكُمُ اللّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ» حيث نسب إليها بالمباشرة والإرادة للارتضاع ، والميتة ليست كذلك.
ويؤيده أن الأصل الإباحة حتى يقوم دليل التحريم ، وليس في النصوص ما يدل على ذلك ، والأخبار وإن كان أكثرها مطلقا إلا أن جملة منها دلت على ما دلت عليه الآية من إسناد الإرضاع إلى المرأة الموجب لكونها حية قاصدة مريدة لذلك ، وإذا ضمت الأخبار بعضها إلى بعض بحمل مطلقها على مقيدها ثم الاستدلال بها.
ويؤيده أيضا أن من القواعد المقررة في كلامهم أن الإطلاق في الأخبار إنما يحمل على الأفراد المتكررة المتكاثرة ، دون الفروض النادرة خصوصا في هذا الموضع ، فإن ذلك إنما هو أمر فرضي لم تقع ولا يكاد يقع.
فإن قيل : إنه لا خلاف في أنه لو التقم الصبي ثدي المرأة وهي نائمة وامتص من لبنها فإنه يتحقق التحريم بذلك ، ومنه يعلم أن القصد إلى الإرضاع وفعله من المرضعة غير شرط.
__________________
(١) سورة النساء ـ آية ٢٣.