من الأنصار امرأة بالمدينة ، وكان النساء يتقنعن خلف آذانهن ، فنظر إليها وهي مقبلة ، فلما جازت ، نظر إليها ، ودخل في زقاق ، قد سماه يبني فلان ، فجعل ينظر خلفها واعترض وجهه عظم في الحائط ، أو زجاجة ، فشق وجهه ، فلما مضت المرأة ، نظر فإذا الدماء تسيل على صدره وثوبه ، فقال : والله لآتين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولأخبرنه قال : فأتاه فلما رآه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال له : ما هذا؟ فأخبره فهبط جبرئيل عليهالسلام ، بهذه الآية (١) (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ».
أقول : فيه دلالة على جواز التقنع يومئذ ، على الوجه المذكور ، وعدم وجوب ستر الاذن ، ونحوها ، وجواز النظر لذلك ، وأن تحريم النظر إما مطلقا أو بقصد التلذذ ، أو خوف الفتنة ، إنما نزل على أثر هذه الواقعة ، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي لا ضرورة إلى ذكرها ، مع الاتفاق على الحكم المذكور.
وأما الوجه والكفان فإنه لا خلاف أيضا بينهم في تحريم النظر إليهما ، مع قصد التلذذ أو خوف الفتنة ، وأما مع عدم الأمرين المذكورين ، فقد اختلف الأصحاب في ذلك ، فقيل بالجواز مطلقا ، وإن كان على كراهية ، ونقل عن الشيخ (رحمهالله) ، لقوله تعالى (٢) «وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا ما ظَهَرَ مِنْها» وهو مفسر بالوجه والكفين ، وإن ذلك مما يعم به البلوى ، ولا طباق الناس في كل عصر ، على خروج النساء على وجه ، يحصل منه بدو ذلك ، من غير نكير.
أقول : ويدل على هذا القول ما رواه في الكافي عن مروك بن عبيد (٣) عن بعض أصحابنا «عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قلت له : ما يحل للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن محرما؟ قال : الوجه والكفان والقدمان» ، وهي صريحة في المراد ، وقد تضمنت زيادة القدمين ، مع أن ظاهر كلامهم ، تخصيص الاستثناء بالوجه
__________________
(١) سورة النور ـ آية ٣٠ و ٣١.
(٣) الكافي ج ٥ ص ٥٢١ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ١٤٦ ح ٢.