الله صلىاللهعليهوآلهوسلم للرسول : قد أطريت مقالتك ، واستكملت رسالتك؟ قال : بلى.
قال : فاسمع الجواب : إنّ أبا جهل بالمكاره والعطب يهدّدني ، وربّ العالمين بالنصر والظفر يعدني ، وخبر الله أصدق ، والقبول من الله أحقّ ، لن يضرّ محمّدا من خذله ، أو يغضب عليه بعد أن ينصره الله ، ويتفضّل بجوده وكرمه عليه ، قل له : يا أبا جهل ، إنّك راسلتني بما ألقاه في خلدك (١) الشيطان ، وأنا أجيبك بما ألقاه في خاطري الرّحمن ، إنّ الحرب بيننا وبينك كائنة إلى تسعة وعشرين يوما ، وإن الله سيقتلك فيها بأضعف أصحابي ، وستلقى أنت وعتبة وشيبة والوليد وفلان وفلان ـ وذكر عددا من قريش ـ في قليب بدر (٢) مقتّلين ، أقتل منكم سبعين ، وآسر منكم سبعين ، أحملهم على الفداء الثقيل.
ثمّ نادى جماعة من بحضرته من المؤمنين واليهود والنصارى وسائر الأخلاط : ألا تحبّون أن أريكم مصرع كلّ واحد من هؤلاء؟ هلمّوا إلى بدر ، فإنّ هناك الملتقى والمحشر ، وهناك البلاء الأكبر ، لأضع قدمي على مواضع مصارعهم ، ثمّ ستجدونها لا تزيد ولا تنقص ، ولا تتغيّر ولا تتقدّم ولا تتأخّر لحظة ، ولا قليلا ولا كثيرا ، فلم يخف ذلك على أحد منهم ولم يجبه إلّا عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وحده ، وقال : نعم ، بسم الله ، فقال الباقون : نحن نحتاج إلى مركوب وآلات ونفقات ، فلا يمكننا الخروج إلى هناك وهو مسيرة أيّام.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لسائر اليهود : فأنتم ، ماذا تقولون؟ قالوا : نحن نريد أن نستقرّ في بيوتنا ، ولا حاجة لنا في مشاهدة ما أنت في ادّعائه محيل.
__________________
(١) الخلد : البال يقال : وقع ذلك في خلدي : أي في روعي وقلبي. «الصحاح ـ خلد ـ ٢ : ٤٦٩».
(٢) القليب : البئر ، وبدر : ماء مشهور بين مكّة والمدينة أسفل وادي الصفراء. «معجم البلدان ١ : ٣٥٧».