يعلمون أنّه ليس لأحد من ملوك الأرض مثل صحرائهم ، على ما تشتمل عليه من عجائب أشجارها ، وتهدّل (١) ثمارها ، واطّراد أنهارها ، وغضارة رياحينها ، وحسن نباتها.
ومحمد هو الذي لمّا جاءه رسول أبي جهل (٢) يتهدّده ويقول : يا محمّد ، إنّ الخيوط التي في رأسك هي التي ضيّقت عليك مكّة ، ورمت بك إلى يثرب ، وإنّها لا تزال بك حتّى تنفّرك وتحثّك على ما يفسدك ويتلفك ، إلى أن تفسدها على أهلها ، وتصليهم حرّ نار تعدّيك طورك ، وما أرى ذلك إلّا وسيؤول إلى أن تثور عليك قريش ثورة رجل واحد بقصد آثارك ، ودفع ضررك وبلائك ، فتلقاهم بسفهائك المغترّين بك ، ويساعدك على ذلك من هو كافر بك ومبغض لك ، فيلجئه إلى مساعدتك ومضافرتك خوفه لأن يهلك بهلاكك ، وتعطب (٣) عياله بعطبك ، ويفتقر هو ومن يليه بفقرك ، وبفقر شيعتك ، أو يعتقدون أنّ أعداءك إذا قهروك ودخلوا ديارهم عنوة لم يفرّقوا بين من والاك وعاداك ، واصطلموهم باصطلامهم لك ، وأتوا على عيالاتهم وأموالهم بالسبي والنهب ، كما يأتون على أموالك وعيالك ، وقد أعذر من أنذر (٤) ، وبالغ من أوضح.
أدّيت هذه الرسالة إلى محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو بظاهر المدينة ، بحضرة كافّة أصحابه ، وعامّة الكفّار من يهود بني إسرائيل ، وهكذا أمر الرسول ، ليجنّبوا المؤمنين ، ويغرّوا بالوثوب عليه سائر من هناك من الكافرين ، فقال رسول
__________________
(١) تهدّلت أغصان الشجرة : تدلّت. «مجمع البحرين ـ هدل ـ ٥ : ٤٩٧».
(٢) في «ط» نسخة بدل : أبي لهب.
(٣) العطب : الهلاك. «الصحاح ـ عطب ـ ١ : ١٨٤».
(٤) أعذر من أنذر. مثل معناه : من حذرك ما يحلّ بك فقد أعذر إليك ، أي صار معذورا عندك. «مجمع الأمثال ٢ : ٢٩».