سورة براءة مع أبي بكر بن أبي قحافة ، وفيها ذكر نبذ العهود إلى الكافرين ، وتحريم قرب مكّة على المشركين ، وأمّر أبا بكر على الحجّ ، ليحجّ بمن ضمّه الموسم ، ويقرأالآيات عليهم ، فلمّا صدر عنه أبو بكر جاء المطوّق بالنور جبرئيل عليهالسلام ، فقال : يا محمّد ، إن العليّ الأعلى يقرأعليك السّلام ، ويقول : يا محمّد ، إنّه لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك ، فابعث عليّا ليتناول الآيات ، فيكون هو الذي ينبذ العهود ويقرأالآيات.
وقال جبرئيل : يا محمّد ، ما أمرك ربك بدفعها إلى عليّ عليهالسلام ونزعها من أبي بكر سهوا ولا شكّا ، ولا استدراكا على نفسه غلطا ، ولكن أراد أن يبيّن لضعفاء المسلمين أنّ المقام الذي يقومه أخوك عليّ عليهالسلام لن يقومه غيره سواك ـ يا محمد ـ وإن جلّت في عيون هؤلاء الضعفاء مرتبته ، وعرفت عندهم منزلته.
فلمّا انتزع عليّ عليهالسلام الآيات من يده ، لقي أبو بكر بعد ذلك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : بأبي أنت وأمّي ـ يا رسول الله ـ أنت أمرت عليّا أن يأخذ هذه الآيات من يدي؟
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا ، ولكن العليّ العظيم أمرني أن لا ينوب عنّي إلّا من هو منّي ، وأمّا أنت فقد عوّضك الله بما حمّلك من آياته ، وكلّفك من طاعاته الدرجات الرفيعة ، والمراتب الشريفة ، أما إنّك إن دمت على موالاتنا ، ووافيتنا في عرصات القيامة ، وفيّا بما أخذنا به عليك من العهود والمواثيق ، [فأنت] من خيار شيعتنا ، وكرام أهل مودّتنا ، فسرّي (١) بذلك عن أبي بكر».
قال : «فمضى عليّ عليهالسلام لأمر الله ، ونبذ العهود إلى أعداء الله ، وأيس
__________________
(١) سرّي عنه : تجلّى همّه. «لسان العرب ـ سرا ـ ١٤ : ٣٨٠».