فأوحى الله تعالى إليه : يا محمّد ، إنّ العليّ الأعلى يقرأعليك السّلام ، ويقول : سأردّك إلى هذا البلد ظافرا غانما سالما قادرا قاهرا ، وذلك قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ)(١) يعني إلى مكّة ظافرا غانما ، وأخبر بذلك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أصحابه ، فاتّصل بأهل مكّة ، فسخروا منه.
فقال الله تعالى لرسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : سوف أظفرك بمكّة ، وأجري عليهم حكمي ، وسوف أمنع من دخولها المشركين حتى لا يدخلها أحد منهم إلّا خائفا ، أو دخلها مستخفيا من أنّه إن عثر عليه قتل.
فلمّا حتم قضاء الله بفتح مكّة واستوسقت (٢) له ، أمّر عليهم عتّاب بن أسيد (٣) ، فلمّا اتصل بهم خبره ، قالوا : إنّ محمدا لا يزال يستخفّ بنا حتى ولّى علينا غلاما حدث السنّ ابن ثماني عشرة سنة ، ونحن مشايخ ذوو الأسنان ، وخدّام بيت الله الحرام ، وجيران حرمه الآمن ، وخير بقعة له على وجه الأرض.
وكتب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعتّاب بن أسيد عهدا على [أهل] مكّة ، وكتب في أوّله : بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمّد رسول الله إلى جيران بيت الله ، وسكّان حرم الله. أمّا بعد وذكر العهد وقرأه عتّاب بن أسيد على أهل مكّة.
ثم قال الإمام عليهالسلام بعد ذلك : «ثمّ بعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعشر آيات من
__________________
(١) القصص ٢٨ : ٨٥.
(٢) استوسق لك الأمر : إذا أمكنك. «لسان العرب ـ وسق ـ ١٠ : ٣٨٠».
(٣) عتّاب بن أسيد بن أبي العيص بن أميّة ، وال أموي من الصحابة ، أسلم يوم فتح مكّة ، واستعمله النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عليها عند مخرجه إلى حنين في ٨ ه ، وأمّره أبو بكر ، فاستمر فيها إلى أن مات يوم مات أبو بكر في ١٣ ه ، وقيل في ٢٣ ه. الكامل في التاريخ ٢ : ٢٦٢ ، الإصابة ٤ : ٢١١ / ٥٣٨٣ ، أعلام الزركلي ٤ : ١٩٩.