تتعرّض لعير ـ القافلة ـ قريش ، حتى بعث عبد الله بن جحش في نفر من أصحابه إلى نخلة ـ وهي بستان بني عامر ـ ليأخذوا عير قريش [حين] أقبلت من الطائف ، عليها الزبيب والأدم والطعام ، فوافوها وقد نزلت العير ، وفيها عمرو بن عبد الله بن جحش وأصحابه ، فزعوا وتهيّئوا للحرب ، وقالوا : هؤلاء أصحاب محمّد ، وأمر عبد الله بن جحش أصحابه أن ينزلوا ويحلقوا رؤوسهم ، فنزلوا وحلّقوا رؤوسهم.
فقال ابن الحضرميّ : هؤلاء قوم عبّاد ليس علينا منهم [بأس] ، فلمّا اطمأنّوا ووضعوا السلاح ، حمل عليهم عبد الله بن جحش ، فقتل ابن الحضرميّ ، وقتل أصحابه ، وأخذوا العير بما فيها ، وساقوها إلى المدينة ، وكان ذلك في أوّل يوم من رجب من أشهر الحرم ، فعزلوا العير وما كان عليها ، ولم ينالوا منها شيئا.
فكتبت قريش إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّك استحللت الشهر الحرام ، وسفكت فيه الدّم ، وأخذت المال ، وكثر القول في هذا ، وجاء أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالوا : يا رسول الله ، أيحلّ القتل في الشهر الحرام؟ فأنزل الله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ).
قال : القتال في الشهر الحرام عظيم ، ولكن الذي فعلت بك قريش ـ يا محمد ـ من الصدّ عن المسجد الحرام ، والكفر بالله ، وإخراجك منه أكبر عند الله ، والفتنة ـ يعني الكفر بالله ـ أكبر من القتل.
ثم أنزلت عليه : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ)(١)(٢).
__________________
(١) سورة البقرة : ١٩٤.
(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٧١.