مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ)(١) ، وبقوله : (إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ)(٢) بعد فقد الرسول ما يقيمون به أود باطلهم حسب ما فعلته اليهود والنصارى بعد فقد موسى وعيسى من تغيير التوراة والإنجيل ، وتحريف الكلم عن مواضعه ، وبقوله : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ)(٣) ، يعني أنهم أثبتوا في الكتاب ما لم يقله الله ليلبسوا على الخليقة ، فأعمى الله قلوبهم حتى تركوا فيه ما دلّ على ما أحدثوا فيه وحرفوا منه ، وبين عن إفكهم وتلبيسهم وكتمان ما علموه منه ، ولذلك قال لهم : (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ)(٤) ، وضرب مثلهم بقوله : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ)(٥) ، فالزّبد في هذا الموضع كلام الملحدين الذين أثبتوه في القرآن ، فهو يضمحل ويبطل ويتلاشى عند التحصيل ، والذي ينفع الناس فالتنزيل الحقيقي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والقلوب تقبله ، والأرض في هذا الموضع هي محلّ العلم وقراره.
وليس يسوغ مع عموم التقيّة التصريح بأسماء المبدلين ، ولا الزيادة في آياته على ما أثبتوه من تلقائهم في الكتاب ، لما في ذلك من تقوية حجج أهل التعطيل والكفر والملل المنحرفة عن قبلتنا وإبطال هذا العلم الظاهر الذي قد استكان له الموافق والمخالف بوقوع الاصطلاح على الائتمار لهم والرضا بهم ، ولأن أهل الباطل في القديم والحديث أكثر عددا من أهل الحق ، ولأن الصبر على ولاة الأمر مفروض لقول الله عزوجل لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)(٦) ، وإيجابه مثل ذلك على أوليائه وأهل طاعته بقوله :
__________________
(١) آل عمران : ٧٨.
(٢) النساء : ١٠٨.
(٣) التوبة : ٣٢.
(٤) آل عمران : ٧١.
(٥) الرعد : ١٧.
(٦) الأحقاف : ٣٥.