الله قد دبّر أمر الخلق بحيث إنّ خلق كلّ كائن يتمّ ضمن سلسلة من العوامل. فلكي يولد إنسان قرّر الله أن يكون ذلك من طريق الاتّصال الجنسي ، ونفوذ الحيمن في البويضة. لذلك حقّ لمريم أن تصيبها الدهشة وأن تتقدّم بسؤالها : كيف يمكن أن تحمل وتلد ويكون لها ولد بغير أن يكون لها أيّ اتصال جنسي مع أيّ بشر؟ (قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ).
فجاءتها الملائكة بأمر ربّها تخبرها بأنّ الله يخلق ما يشاء وكيفما يشاء ، فنظام الطبيعة هذا من خلق الله وهو يأتمر بأمره ، والله قادر على تغيير هذا النظام وقتما يشاء ، فيخلق وفق أسباب وعوامل أخرى غير عادية ما يشاء : (كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ).
ثم لتوكيد هذا الأمر وإنهائه يقول : (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
إنّ تعبير «كن فيكون» إشارة إلى سرعة الخلق.
بديهيّ أن لفظة «كن» تشير في الحقيقة إلى إرادة الله الحاسمة التي لا يعتريها الأخذ والرد.
أي أنّه ما إن يشاء أمرا يصدر أمره بالخلق حتى تتحقّق مشيئته في عالم الوجود.
من الجدير بالالتفات أنّه بشأن خلق عيسى قال : «يخلق» ولكنّه بشأن خلق يحيى قبل بضع آيات قال : «يفعل». ولعلّ هذا الاختلاف في التعبير ناشىء من اختلاف طريقة خلق هذين النبيّين ، فأحدهما خلق بطريقة طبيعية ، والآخر خلق بطريقة خارقة للطبيعة.