«بدر» إذ قالت : (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ) أي اذكروا واذكر أيّها النبي يوم كنت تقول للمسلمين الضعفاء آنذاك اخرجوا وسيمدكم الله بالملائكة ألا يكفيكم ذلك لتحقيق النصر الساحق على جحافل المشركين المدججين بالسلاح؟
نعم أيها المسلمون لقد تحقق لكم ذلك في «بدر» نتيجة صبركم واستقامتكم ، واليوم يتحقق لكم ذلك أيضا إذا اجتنبتم عن مخالفة أوامر النبي ، وتجاهل تعليماته وصبرتم : (بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ)(١).
على أن نزول الملائكة هذا لن يكون هو العامل الأساسي لتحقيق هذا الانتصار لكم بل النصر من عند الله ، وليس نزول الملائكة إلا لتطمئن قلوبكم وما جعله الله إلّا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم «فهو العالم بسبل النصر ومفاتيح الظفر ، وهو القادر على تحقيقه».
ثم أنّه سبحانه عقب هذه الآيات بقوله : (لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ).
وهذه الآية وإن ذهب المفسرون في تفسيرها مذاهب مختلفة إلا أنها ـ في ضوء ما ذكرناه في تفسير الآيات السابقة بمعونة الآيات نفسها وبمعونة الشواهد التاريخية ـ واضحة المراد بينة المقصود كذلك. فهي تقصد أن تأييد الله للمسلمين بإنزال الملائكة عليهم إنما لأجل القضاء على جانب من قوة العدو العسكرية. وإلحاق الذلة بهم. يبقى أن نعرف أن «طرف» الشيء يعني جانبه وقطعة منه. وأما «يكبتهم» فيعني الرد بعنف وإذلال.
__________________
(١) الفور السرعة التي تقلب المعادلات كما يفور القدر وتتقلب محتوياتها بسرعة.