أقول : إن الربيين المذكورين في الآية السابقة عند ما كانوا يواجهون أية مشكلات بسبب بعض الأخطاء أو العثرات وعدم الانضباط لم يفكروا في الاستسلام للأمر الواقع ، أو يحدثوا أنفسهم بالفرار أو الارتداد عن الدين والعقدية بل كانوا يتضرعون إلى الله يطلبون منه الصبر والثبات. والعون في المدد ويقولون (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ).
إنهم بمثل هذا التفكر الصحيح والعمل الصالح كانوا يحصلون على ثوابهم دون تأخير ، وهو ثواب مزدوج ، أما في الدنيا فالنصر والفتح ، وأما في الآخرة فما أعد الله للمؤمنين المجاهدين الصادقين : (فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ).
ثم إنه سبحانه يعد هؤلاء ـ في نهاية هذه الآية ـ من المحسنين إذ يقول : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ...
ولقد عبرت الآية الثانية عن الجزاء الدنيوي بثواب الدنيا ، ولكنها عبرت عن الجزاء الأخروي بحسن ثواب الآخرة وهذه إشارة إلى أن ثواب الآخرة يختلف عن ثواب الدنيا اختلافا كليا ، لأن ثواب الدنيا مهما يكن فهو ممزوج بالفناء والعدم ، ويقترن ببعض المنغصات والمكروهات الذي هو من طبيعة الحياة الدنيا ، في حين أن ثواب الآخرة حسن كله ، إنه خير خالص لا فناء فيه ولا عناء ، ولا انقطاع فيه ولا انتهاء ، ولا كدورات فيه ولا منغصات ، ولا متاعب ولا مزعجات.