الملائكة» يا معشر الأشقياء ، ادنوا فاشربوا منها ، فإذا أعرضوا عنها ضربتهم الملائكة بالمقامع ، وقيل لهم : (ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)(١).
وقال الإمام موسى الكاظم عليهالسلام : فأما الجبر ، فهو : قول من زعم أن الله عزوجل جبر العباد على المعاصي وعاقبهم عليها ، ومن قال بهذا القول فقد ظلم الله وكذبه ، ورد عليه قوله : (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) وقوله جل ذكره : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)(٢) مع أي كثيرة في مثل هذا ، فمن زعم أنه مجبور على المعاصي فقد أحال بذنبه على الله وظلمه في عقوبته له ، ومن ظلم ربه فقد كذب كتابه ، ومن كذب كتابه لزمه (الكفر) بإجماع الأمة ، فالمثل المضروب في ذلك : مثل رجل ملك عبدا مملوكا لا يملك إلّا نفسه ، ولا يملك عرضا من عروض الدنيا ويعلم مولاه ذلك منه ، فأمره ـ على علم منه بالمصير ـ إلى السوق لحاجة يأتيه بها ولم يملكه ثمن ما يأتيه به ، وعلم المالك أن على الحاجة رقيبا لا يطمع أحد في أخذها منه إلا بما يرضى به من الثمن ، وقد وصف به مالك هذا العبد نفسه بالعدل والنصفة وإظهار الحكمة ونفي الجور ، فأوعد عبده أنه لم يأته بالحاجة يعاقبه ، فلما صار العبد إلى السوق ، وحاول أخذ الحاجة التي بعثه بها ، وجد عليها مانعا يمنعه منها إلا بالثمن ولا يملك العبد ثمنها ، فانصرف إلى مولاه خائبا بغير قضاء حاجة ، فاغتاظ مولاه لذلك وعاقبه على ذلك ، فإنه كان ظالما متعديا مبطلا لما وصف من عدله وحكمته ونصفته ، وإن لم يعاقبه كذب نفسه ، أليس يجب أن لا يعاقبه والكذب والظلم ينفيان العدل والحكمة ، تعالى الله عما يقول المجبرة علوا كبيرا ... (٣).
__________________
(١) الاختصاص : ص ٣٦٢.
(٢) الحج : ١٠.
(٣) الاحتجاج : ج ٢ ، ص ٢٥٣ ـ ٢٥٤.