وقال أوّلهم : يا رسول الله ، والله ما اعتددت بشيء كاعتدادي بهذه البيعة ، ولقد رجوت أن يفسح [يفتح] الله بها لي في قصور الجنان ، ويجعلني فيها من أفضل النّزال والسّكّان.
وقال ثانيهم : بأبي أنت وأمّي ـ يا رسول الله ـ ما وثقت بدخول الجنّة ، والنجاة من النار إلّا بهذه البيعة ، والله ما يسرّني ـ إن نقضتها ، أو نكثت بها ـ ما أعطيت من نفسي ما أعطيت ، وإن كان لي طلاع ما بين الثرى إلى العرش لآلىء رطبة وجواهر فاخرة.
وقال ثالثهم : والله ـ يا رسول الله ـ لقد صرت من الفرح بهذه البيعة ـ من السرور والفسح من الآمال في رضوان الله ـ ما أيقنت أنه لو كان عليّ ذنوب أهل الأرض كلّها ، لمحّصت عنّي بهذه البيعة ، وحلف على ما قال من ذلك ، ولعن من بلّغ عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خلاف ما حلف عليه ، ثمّ تتابع بمثل هذا الاعتذار بعدهم من الجبابرة المتمرّدين.
فقال الله عزوجل لمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم : (يُخادِعُونَ اللهَ) يعني يخادعون رسول الله بأيمانهم بخلاف ما في جوانحهم (وَالَّذِينَ آمَنُوا) كذلك أيضا الذين سيّدهم وفاضلهم علي بن أبي طالب عليهالسلام.
ثمّ قال : (وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) ما يضرّون بتلك الخديعة إلا أنفسهم ، فإنّ الله غنيّ عنهم وعن نصرتهم ، ولو لا إمهاله لهم لما قدروا على شيء من فجورهم وطغيانهم (وَما يَشْعُرُونَ) أنّ الأمر كذلك ، وأن الله يطلع نبيّه على نفاقهم ، وكفرهم وكذبهم ، ويأمره بلعنهم في لعنة الظالمين الناكثين ، وذلك اللعن لا يفارقهم ، في الدنيا يلعنهم خيار عباد الله ، وفي الآخر يبتلون بشدائد عقاب الله» (١).
__________________
(١) تفسير الإمام العسكري عليهالسلام : ص ١١٣ ، ح ٥٩.