وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) يقول الذين كفروا : إن الله يضلّ بهذا المثل كثيرا ، ويهدي به كثيرا ، فلا معنى للمثل ، لأنّه وإن نفع به من يهديه فهو يضرّ به من يضلّه به.
فردّ الله تعالى عليهم قيلهم ، فقال : (وَما يُضِلُّ بِهِ) يعني ما يضل الله بالمثل (إِلَّا الْفاسِقِينَ) الجانين على أنفسهم بترك تأمّله ، وبوضعه على خلاف ما أمر الله بوضعه عليه.
ثمّ وصف هؤلاء الفاسقين الخارجين عن دين الله وطاعته ، فقال عزوجل : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ) المأخوذ عليهم بالربوبيّة ، ولمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم بالنبوّة ولعليّ عليهالسلام بالإمامة ، ولشيعتهما بالمحبّة ـ وقيل بالجنّة ـ والكرامة (مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) إحكامه وتغليظه (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) من الأرحام والقرابات أن يتعاهدوهم ويقضّوا حقوقهم.
وأفضل رحم وأوجبه حقّا رحم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فإنّ حقّهم بمحمّد كما أنّ حقّ قرابات الإنسان بأبيه وأمّه ، ومحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم أعظم حقّا من أبويه ، كذلك حقّ رحمه أعظم ، وقطيعته أفظع وأفضح.
(وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) بالبراءة ممّن فرض الله إمامته ، واعتقاد إمامة من قد فرض الله مخالفته (أُولئِكَ) أهل هذه الصفة (هُمُ الْخاسِرُونَ) قد خسروا أنفسهم وأهليهم لمّا صاروا إلى النيران ، وحرموا الجنان ، فيا لها من خسارة ألزمتهم عذاب الأبد ، وحرمتهم نعيم الأبد» ...» (١).
__________________
(١) تفسير الإمام العسكري عليهالسلام : ص ٢٠٥ ، ح ٩٥ و ٩٦.