عليها ، من قوله : نار حامية. ولو قيل : يوم تحمى ، لم يعط هذا المعنى. وأصله : تحمى بالنار ، فجعل الإحماء للنار مبالغة ، ثم حذفت النار وأسند الفعل إلى الجارّ والمجرور ، تنبيها على المقصود ، فانتقل من صيغة التأنيث إلى صيغة التذكير ، كما تقول : رفعت القصّة إلى الأمير ، فإن لم تذكر القصّة قلت : رفع إلى الأمير.
(فَتُكْوى بِها) بتلك الكنوز المحماة (جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ) تخصيص هذه المواضع ، لأنّ جمعهم وإمساكهم كان لطلب الوجاهة بالغنى عند الناس ، والتنعّم بالمطاعم الشهيّة ، بحيث يتضلّعون منها وينفخون جنوبهم ، وبالملابس البهيّة الّتي يطرحونها على ظهورهم ، كما ترى أغنياء زمانك. أو لأنّهم كانوا يعبسون وجوههم للسائل ويولّونه جنوبهم وظهورهم في المجالس. أو لأنّها أشرف الأعضاء الظاهرة ، فإنّها المشتملة على الأعضاء الرئيسة الّتي هي الدماغ والقلب والكبد. أو لأنّها أصول الجهات الأربع الّتي هي مقاديم البدن ومآخيره وجنباه.
(هذا ما كَنَزْتُمْ) على إرادة القول ، أي : يقال لهم : هذا ما كنزتم (لِأَنْفُسِكُمْ) لمنفعتها ، وكان عين مضرّتها وسبب تعذيبها (فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) أي : وبال كنزكم والمال الّذي تكنزونه وتجمعونه وتمنعون حقّ الله منه ، فحذف لدلالة الكلام عليه.
أورد مسلم بن الحجّاج في الصحيح (١) أنّه قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «وما من عبد له مال لا يؤدّي زكاته إلّا جمع يوم القيامة صفائح يحمى عليها في نار جهنّم ، فتكوى بها جبهته وجنباه وظهره ، حتّى يقضي الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ممّا تعدّون ، ثم يرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النار».
__________________
(١) صحيح مسلم ٢ : ٦٨٠ ح ٢٤.