الاستثناء منقطعا. وليس كذلك ، لأنّ الاستثناء المنقطع هو أن يكون المستثنى من غير جنس المستثنى منه ، كقولك : ما زادوكم خيرا إلّا خبالا ، والمستثنى منه في هذا الكلام غير مذكور ، وإذا لم يذكر وقع الاستثناء من أعمّ العامّ الّذي هو الشيء ، فكان استثناء متّصلا ، لأنّ الخبال بعض أعمّ العامّ.
(وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ) ولأسرعوا ركائبهم بينكم بالنميمة والتضريب والتفريق ، أو الهزيمة والتخذيل ، من : وضع البعير وضعا إذا أسرع ، وأوضعته أنا.
والمراد السرعة بالفساد ، لأنّ الراكب أسرع من الماشي. (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) يريدون أن يفتنوكم بإيقاع الخلاف فيما بينكم ، ويفسدوا نيّاتكم في غزواتكم ، أو الرعب في قلوبكم. والجملة حال من الضمير في «أوضعوا». (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) ضعفة من المسلمين يسمعون قولهم ويطيعونهم ، أو نمّامون يسمعون حديثكم فينقلونه إليهم (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) بالمصرّين على الفساد ، فيعلم ضمائرهم وما يتأتّى منهم.
(لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ) هي اسم يقع على كلّ شرّ وفساد ، أي : نصبوا لك الغوائل ، وسعوا في تشتيت شملك وتفريق أصحابك. (مِنْ قَبْلُ) يعني : يوم أحد ، فإنّ ابن أبيّ وأصحابه كما تخلّفوا عن تبوك بعد ما خرجوا مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى ذي جدة أسفل من ثنيّة الوداع ، انصرفوا يوم أحد. وعن سعيد بن جبير : وقفوا في غزوة تبوك على الثنيّة ليلة العقبة ليفتكّوا به ، وهم اثنا عشر رجلا.
(وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ) ودبّروا لك المكائد والحيل ، واحتالوا في إبطال أمرك (حَتَّى جاءَ الْحَقُ) أي : النصر والتأييد الإلهي (وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ) علا وغلب دينه وأهله (وَهُمْ كارِهُونَ) أي : على رغم منهم. وهو في موضع الحال. والآيتان لتسلية الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم على تخلّفهم ، وبيان ما ثبّطهم الله لأجله وكره انبعاثهم له ، وهتك استارهم وكشف اسرارهم ، وإزاحة اعتذارهم ، تداركا لإذن رسوله تخلّفهم ، فعوتب عليه لترك الأولى.