(وَمِنْهُمْ) ومن هؤلاء المنافقين (مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي) في القعود عن الجهاد (وَلا تَفْتِنِّي) ولا توقعني في الفتنة. وهي الإثم الّذي يلزم العصيان والمخالفة ، بأن لا تأذن لي ، فإنّي إن تخلّفت بعد أمرك بالجهاد أثمت. وفيه إشعار بأنّه لا محالة متخلّف ، أذن له أو لم يأذن. أو في الفتنة. بسبب ضياع المال والعيال ، إذ لا كافل لهم بعدي. أو في الفتنة بنساء الروم ، لما روي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا استنفر الناس إلى تبوك فقال : انفروا لعلّكم تغنمون بنات الأصفر ، يعني : نساء الروم ، فقال جدّ بن قيس أخو بني سلمة من بني الخزرج : يا رسول الله ائذن لي ولا تفتنّي ببنات الأصفر ، ولكنّي أعينك بمالي ، فاتركني فإنّي أخاف أن أفتن بهنّ ، لأنّي مستهتر بالنساء. فقال : أذنت لك.
(أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) أي : الفتنة هي الّتي سقطوا فيها ، وهي فتنة التخلّف أو ظهور النفاق ، لا ما احترزوا عنه (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) جامعة لهم يوم القيامة أو الآن ، لأنّ إحاطة أسبابها بهم كوجودها ، فكأنّهم في وسطها.
(إِنْ تُصِبْكَ) في بعض غزواتك (حَسَنَةٌ) ظفر وغنيمة (تَسُؤْهُمْ) لفرط حسدهم (وَإِنْ تُصِبْكَ) في بعضها (مُصِيبَةٌ) كسر وشدّة وبليّة ، كما أصاب يوم أحد (يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا) الّذي نحن متّسمون به ، من الحذر والعمل بالحزم والتيقّظ (مِنْ قَبْلُ) من قبل ما وقع ، أي : تبجّحوا (١) بانصرافهم ، واستحمدوا رأيهم في التخلّف (وَيَتَوَلَّوْا) عن مقام التحدّث بذلك والاجتماع له إلى أهاليهم ، أو عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَهُمْ فَرِحُونَ) مسرورون.
(قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا) إلّا ما اختصّنا بإثباته وإيجابه ، من النصرة أو الشهادة ، أو ما كتب لأجلنا في اللوح المحفوظ ، لا يتغيّر بموافقتكم ولا بمخالفتكم. (هُوَ مَوْلانا) متولّي أمورنا وناصرنا (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)
__________________
(١) تبجّح وتباجح أي : افتخر وتعظّم وتباهي.