قالوا : نعم.
قال : أتشكرون في الرخاء؟
قالوا : نعم.
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : مؤمنون وربّ الكعبة. فجلس ثمّ قال : يا معشر الأنصار إنّ الله عزوجل قد أثنى عليكم فما الّذي تصنعون عند الوضوء وعند الغائط؟
فقالوا : يا رسول الله نتبع الغائط الأحجار الثلاث ، ثم نتبع الأحجار الماء.
فتلا صلىاللهعليهوآلهوسلم (رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ).
(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ) بنيان دينه (عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ) على قاعدة محكمة ، هي التقوى من الله تعالى وطلب مرضاته بالطاعة (خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ) على قاعدة هي أضعف القواعد وأرخاها وأقلّها بقاء ، وهو الباطل. والشفا : الشفير. وجرف الوادي : جانبه الّذي يتحفّر أصله بالماء وتجرفه السيول ، فيبقى واهيا. والهار : الهائر الّذي أشفى على السقوط والتهدّم. ووزنه فعل ، قصر عن هائر ، كخلف من خالف. ونظيره : شاك وصات في شائك وصائت. وألفه ليس بألف فاعل. وأصله : هور وشوك وصوت.
ولمّا جعل الجرف مجازا عن الباطل قال : (فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ) يوقعه ذلك البناء ويؤدّي به ـ لخوره (١) وقلّة استمساكه ـ إلى السقوط في النار. وإنّما وضع شفا الجرف ـ وهو ما جرفه الوادي الهائر ـ في مقابلة التقوى ، تمثيلا لما بنوا عليه أمر دينهم في البطلان وسرعة الانطماس ، ثمّ رشّحه بانهياره به في النار ، فكأنّ المبطل أسّس بنيانا على شفير جهنّم فطاح به في قعرها. ووضعه في مقابلة الرضوان ، تنبيها على أنّ تأسيس ذلك على أمر يحفظه من النار ، ويوصله إلى رضوانه تعالى ومقتضياته الّتي الجنّة أدناها ، وتأسيس هذا على ما هم بسببه على
__________________
(١) خار خورا : فتر وضعف وانكسر.