على كفره ، فقال : (وَمِنْهُمْ) ومن المكذّبين (مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) من سيؤمن ويتوب عن كفره ، أو يصدّق به في نفسه ويعلم أنّه حقّ ولكن يعاند (وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ) فيما يستقبل ، بأن يموت على الكفر ، أو لا يؤمن به في نفسه ، لقلّة تدبّره فيه (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) بالمعاندين أو بالمصرّين.
ثمّ خاطب نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله : (وَإِنْ كَذَّبُوكَ) وإن اصرّوا على تكذيبك بعد إلزام الحجّة (فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ) لي جزاء عملي ولكم جزاء عملكم ، حقّا كان أو باطلا (أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) لا تؤاخذون بعملي ، ولا أؤاخذ بعملكم. ومثله : (فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (١). وقوله : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) إلى آخر السورة.
وملخّص المعنى : إن عاندوا وأصرّوا على تكذيبك فتبرّأ منهم وخلّهم ، فقد أعذرت في التبليغ إليهم. وهذا وعيد لهم من الله تعالى ، كقوله تعالى : (اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) (٢). ولا تنافي بين هذه الآية وآية القتال ، لأنّه براءة ووعيد ، وذلك لا ينافي الجهاد ، فلا تكون منسوخة بإنزال آية (٣) السيف كما توهّم بعضهم.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) إذا قرأت القرآن وعلمت الشرائع ، ولكن لا يقبلون ولا يعون ، كالأصمّ الّذي لا يسمع أصلا (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَ) أتقدر على إسماعهم (وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ) ولو انضمّ إلى صممهم عدم تعقّلهم ، لأنّ الأصمّ العاقل ربما تفرّس واستدلّ وعلم إذا وقع في صماخه دويّ الصوت ، فإذا اجتمع سلب العقل والسمع جميعا فقد تمّ الأمر.
وفيه تنبيه على أنّ حقيقة استماع الكلام فهم المعنى المقصود منه ، ولذلك لا
__________________
(١) الشعراء : ٢١٦.
(٢) الأنعام : ١٣٥.
(٣) التوبة : ٥ و ٢٩.