توصف به البهائم ، وهو لا يتأتّى إلّا باستعمال العقل السليم في تدبّره ، وعقولهم لمّا كانت مؤفة بمعارضة الوهم ومشايعة الإلف والتقليد تعذّر إفهامهم الحكم والمعاني الدقيقة ، فلم ينتفعوا بسرد الألفاظ عليهم غير ما ينتفع به البهائم من كلام الناعق ، وهو مجرّد استماع الصوت.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) يعاينون دلائل نبوّتك ولكن لا يصدّقونك (أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ) أتقدر على هدايتهم (وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ) وإن انضمّ إلى عدم البصر عدم البصيرة ، فإنّ المقصود من الإبصار هو الاعتبار والاستبصار ، والعمدة في ذلك البصيرة ، ولذلك يحدس الأعمى المستبصر ويتفطّن لما لا يدركه البصير الأحمق. يعني : أنّهم في اليأس من قبولهم وتصديقهم الحقّ كالصمّ والعمي الّذين لا عقول لهم ولا بصائر. والآية كالتعليل للأمر بالتبرّي والإعراض عنهم. والاستفهام في الآيتين للإنكار.
(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) بسلب حواسّهم وعقولهم (وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بإفسادها وتفويت منافعها عليهم. أو لا يظلمهم في تعذيبهم يوم القيامة ، بل العذاب لا حق بهم على سبيل العدل والاستحقاق. وقرأ حمزة والكسائي بتخفيف «لكن» ورفع الناس.
ثمّ بيّن حالهم يوم الجمع بقوله : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ) يعني : يستقصرون مدّة لبثهم في الدنيا أو في القبور ، لهول ما يرون.
والجملة التشبيهيّة في موضع الحال ، أي : يحشرهم مشبّهين بمن لم يلبث إلّا ساعة.
أو صفة لـ «يوم» ، والعائد محذوف تقديره : كأن لم يلبثوا قبله ، أو لمصدر محذوف ، أي : حشرا كأن لم يلبثوا قبله.
(يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ) يعرف بعضهم بعضا كأنّهم لم يتفارقوا إلّا قليلا ، وذلك عند خروجهم عن القبور ، ثمّ ينقطع التعارف بينهم ، لشدّة العذاب عليهم. وهي حال