فيكون الاستثناء متّصلا ، لأنّ المراد من القرى أهاليها ، كأنّه قال : ما من أهل قرية من القرى العاصية الهالكة أهلها حين مشاهدة العذاب فنفعهم إيمانهم إلّا قوم يونس لمّا آمنوا رفعنا عنهم العذاب (وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) إلى آجالهم.
روي أنّ يونس عليهالسلام بعث إلى أهل نينوى من أرض الموصل ، فكذّبوه وأصرّوا عليه ، فوعدهم بالعذاب إلى ثلاث ، وقيل : إلى أربعين ، فذهب عنهم مغاضبا ، فقالوا : إن رأينا أسباب الهلاك آمنّا بك. فلمّا مضى اثنان أو مضت خمس وثلاثون أغامت السماء غيما أسود هائلا يدخن دخانا شديدا ، ثمّ يهبط حتّى يغشى مدينتهم ، ويسوّد سطوحهم ، فهابوا وطلبوا يونس فلم يجدوه ، فأيقنوا صدقه ، فلبسوا المسوح ، وبرزوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابّهم ، وفرّقوا بين النساء والصبيان ، وبين الدوابّ وأولادها ، فحنّ بعضها إلى بعض ، وعلت الأصوات والعجيج ، وأظهروا الإيمان والتوبة وتضرّعوا ، فرحمهمالله وكشف عنهم ، وكان يوم عاشوراء يوم الجمعة.
وعن ابن مسعود : بلغ من توبتهم أن ترادّوا المظالم ، حتّى إنّ الرجل كان ليأتي الحجر قد وضع عليه أساس بنيانه فيقتلعه فيردّه.
وقيل : خرجوا إلى شيخ من بقيّة علمائهم ، فقالوا : قد نزل بنا العذاب فما ترى؟ فقال لهم : قولوا : يا حيّ حين لا حيّ ، ويا حيّ محيي الموتى ، ويا حيّ لا إله إلّا أنت. فقالوها فكشف عنهم العذاب.
وعن الفضيل بن عياض : قالوا : إنّ ذنوبنا قد عظمت وجلّت ، وأنت أعظم منها وأجلّ ، افعل بنا ما أنت أهله ، ولا تفعل بنا ما نحن أهله.
وروى عليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام : كان فيهم رجلان ، اسم أحدهما مليخا عابد ، والآخر اسمه روبيل عالم ، وكان العابد يشير على يونس بالدعاء عليهم ، وكان العالم ينهاه ويقول له : لا تدع عليهم ، فإنّ الله يستجيب لك ، ولا يحبّ هلاك عباده. فقبل يونس قول العابد ،