فدعا عليهم ، فأوحى الله تعالى إليهم أنّه يأتيهم العذاب في شهر كذا في يوم كذا.
فلمّا قرب الوقت خرج يونس من بينهم مع العابد ، وبقي العالم فيهم. فلمّا كان اليوم الّذي نزل بهم العذاب قال لهم العالم : افزعوا إلى الله لعلّه يرحمكم ويردّ العذاب عنكم ، واخرجوا إلى المفازة ، وفرّقوا بين النساء والأولاد وبين سائر الحيوانات وأولادها ، ثمّ ابكوا وادعوا. ففعلوا فصرف عنهم العذاب ، وكان قد نزل وقرب منهم.
ومرّ يونس على وجهه مغاضبا كما حكى الله تعالى عنه حتّى انتهى إلى ساحل البحر ، فإذا سفينة قد شحنت (١) وأرادوا أن يدفعوها ، فسألهم يونس أن يحملوه فحملوه ، فلمّا توسّط البحر بعث الله عليهم حوتا عظيما فحبس عليهم السفينة ، فتساهموا فوقع سهم يونس ، وأخرجوه فألقوه في البحر ، فالتقمه الحوت ومرّ به في الماء» (٢).
وقيل : إنّ الملّاحين قالوا : نقرع فمن أصابته القرعة ألقيناه في الماء ، فإنّ ها هنا عبدا عاصيا آبقا ، فوقعت القرعة سبع مرّات على يونس. فقام وقال عليهالسلام : أنا العبد الآبق ، وألقى نفسه في الماء وابتلعه الحوت ، فأوحى الله إلى ذلك الحوت : لا تؤذ شعرة منه ، فإنّي جعلت بطنك سجنه ولم أجعله طعامك ، فلبث في بطنه ثلاثة أيّام ، وقيل : سبعة أيّام ، وقيل : أربعين يوما.
وقد سأل بعض اليهود أمير المؤمنين عليهالسلام عن سجن طاف أقطار الأرض بصاحبه. فقال : يا يهوديّ هو الحوت الّذي حبس يونس في بطنه ، فدخل في بحر قلزم ، ثمّ خرج إلى مصر ، ثمّ سار منها إلى بحر طبرستان ، ثمّ خرج من الدجلة.
قال عبد الله بن مسعود : ابتلع الحوت حوت آخر ، فأهوى به إلى قرار الأرض ، فكان في بطنه أربعين ليلة ، فنادى في الظلمات أن لا إله إلّا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين. فاستجاب الله له ، فأمر الحوت فنبذه على ساحل البحر ،
__________________
(١) أي : ملئت.
(٢) تفسير عليّ بن إبراهيم ١ : ٣١٧.