والإيماء إلى أنّ استحاقهم للبعد بما جرى بينهم وبين هود.
ثمّ عطف على ذلك قصّة صالح وقومه فقال : (وَإِلى ثَمُودَ) منع صرفه باعتبار التعريف والتأنيث ، فإنّه بمعنى القبيلة (أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) هو كوّنكم منها لا غيره ، فإنّه خلق آدم وموادّ النطف الّتي خلق نسله منها من التراب (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) عمّركم فيها واستبقاكم ، من العمر. وعن الضحّاك : كانت أعمارهم من ألف سنة إلى ثلاثمائة سنة. أو أقدركم على عمارتها وأمركم بها. وقيل : هو من العمري ، بمعنى أعمركم فيها دياركم ، ويرثها منكم بعد انصرام أعماركم. أو جعلكم معمرين دياركم ، بأن تسكنوها مدّة عمركم ثمّ تتركونها لغيركم ، فإنّ الرجل إذا ورّث داره من بعده فكأنّما أعمره إيّاها ، لأنّه يسكنها عمره ثمّ يتركها لغيره.
(فَاسْتَغْفِرُوهُ) من الشرك (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) أي : دوموا على التوبة (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ) قريب الرحمة (مُجِيبٌ) لداعيه.
(قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا) لما نرى فيك من مخائل رشدك والسداد ، أن تكون لنا سيّدا ومستشارا في الأمور ، وأن توافقنا في الدين ، فلمّا سمعنا هذا القول منك انقطع رجاؤنا عنك (أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) على حكاية الحال الماضية (وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) من التوحيد والتبرّؤ عن الأوثان (مُرِيبٍ) موقع في الريبة ، من : ارابه إذا أوقعه ، أو ذي ريبة على الإسناد المجازي ، من : أراب في الأمر إذا كان ذا ريبة.
(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ) بيان وبصيرة (مِنْ رَبِّي) حرف الشكّ باعتبار المخاطبين (وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً) نبوّة (فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ) فمن يمنعني من عذابه (إِنْ عَصَيْتُهُ) في تبليغ رسالته والمنع عن الإشراك به (فَما تَزِيدُونَنِي) حينئذ باستتباعكم إيّاي (غَيْرَ تَخْسِيرٍ) غير أن تخسروني بإبطال ما منحني الله به