تبوك قام فخطب الناس ، وقال : أيّها الناس لا تسألوا نبيّكم الآيات ، هؤلاء قوم صالح سألوا نبيّهم أن يبعث لهم الناقة ، وكانت ترد من الفجّ فتشرب ماءهم يوم وردها ، ويحلبون من لبنها مثل الّذي كانوا يشربون من مائها يوم غبّها ، فعتوا عن أمر ربّهم ، فقال : (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) وكان وعدا من الله غير مكذوب. ثمّ جاءتهم الصيحة فأهلك الله من كان في مشارق الأرض ومغاربها منهم إلّا رجلا كان في حرم الله ، فمنعه حرم الله من عذاب الله ، يقال له : أبو رغال. قيل : يا رسول الله من أبو رغال؟ قال : أبو ثقيف.
(فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) أي : ونجّيناهم من خزي يومئذ ، وهو هلاكهم بالصيحة ، أو ذلّهم وفضيحتهم يوم القيامة ، ولا خزي أعظم من خزي من كان هلاكه بغضب الله وباسمه. وقرأ نافع :
يومئذ بالفتح ، على اكتساب المضاف البناء من المضاف إليه. (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُ) القادر على كلّ شيء (الْعَزِيزُ) الغالب عليه.
(وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) أمر الله سبحانه جبرئيل فصاح بهم صيحة ماتوا عندها (فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ) في منازلهم ميّتين واقعين على وجوههم. وقيل : قاعدين على ركبهم.
(كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها) كأن لم يكونوا في منازلهم قطّ ، لانقطاع آثارهم بالهلاك ، من : غنى بالمكان أي : أقام ، وغنى أي : عاش (أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ) ، نوّنه أبو بكر ها هنا وفي النجم (١) والكسائي في جميع القرآن ، وابن كثير ونافع وأبو عمرو في قوله (٢) : (أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) ذهابا إلى الحيّ ، فإنّه مذكّر ، أو الأب (٣) الأكبر.
__________________
(١) النجم : ٥١.
(٢) أي : قرءوا : لثمود.
(٣) أي : على هذين التقديرين يكون «ثمود» منصرفا ، لأنّه مذكّر. وأمّا إذا فسّر بالقبيلة ، يكون