من قوله : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ).
قال في الأنوار : «وهذا إنّما يصحّ على تأويل الالتفات بالتخلّف ، فإنّه إن فسّر بالنظر إلى الوراء في الذهاب ناقض ذلك قراءة ابن كثير وأبي عمرو بالرفع على البدل من «أحد». ولا يجوز حمل القراءتين على الروايتين في أنّ الملائكة أمروا لوطا أن يخلّفها في المدينة مع قومها أو يخرجها ، فلمّا سمعت صوت العذاب التفتت وقالت : يا قوماه ، فأدركها حجر فقتلها ـ كما قال صاحب الكشّاف (١) ـ لأنّ القواطع لا يصحّ حملها على المعاني المتناقضة. والأولى جعل الاستثناء في القراءتين من قوله : «لا يلتفت» مثله في قوله : (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ) (٢).
ولا يبعد أن يكون أكثر القرّاء على غير الأفصح. ولا يلزم من ذلك أمرها بالالتفات ، بل عدم نهيها عنه استصلاحا ، ولذلك علّله على طريقة الاستئناف ـ لبيان هلاكها معهم ـ بقوله : (إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ) ولا يحسن جعل الاستثناء منقطعا على قراءة الرفع (٣).
(إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ) كأنّه علّة الأمر بالإسراء. روي : أنّه قال لوط : متى موعد هلاكهم؟ قالوا : الصبح. فقال : أريد أسرع من ذلك ، لضيق صدره بهم. فقالوا : (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) فهذا جواب لاستعجال لوط واستبطائه العذاب.
(فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) عذابنا ، أو أمرنا بالعذاب. ويؤيّده الأصل ، وجعل التعذيب مسبّبا عنه بقوله : (جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) فإنّه جواب «لمّا». وكان حقّه : جعلوا عاليها ، أي : الملائكة المأمورون به ، فأسند سبحانه إلى نفسه من حيث إنّه
__________________
(١) الجملة المعترضة من كلام المؤلّف ، وليست من كلام البيضاوي ، راجع الكشّاف ٢ : ٤١٦.
(٢) النساء : ٦٦.
(٣) أنوار التنزيل ٣ : ١١٦.