أن تتفضّلوا على الناس شكرا عليها ، لا أن تنقصوا حقوقهم. أو بسعة من الله ، فلا تزيلوها عنكم بما أنتم عليه من البخس.
(وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) لا يشذّ منه أحد منكم. وقيل : عذاب مهلك ، من قوله : (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) (١). والمراد عذاب يوم القيامة ، أو عذاب الاستئصال. وأصله من إحاطة العدوّ. وتوصيف اليوم بالإحاطة ـ وهي صفة العذاب ـ لاشتماله عليه ، فإنّ الزمان يشتمل على ما يحدث فيه.
ثمّ صرّح بالأمر بالإيفاء بعد النهي عن ضدّه مبالغة ، فقال : (وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) أي : أوفوا حقوق الناس في المكيلات والموزونات (بِالْقِسْطِ) بالعدل والسويّة من غير زيادة ونقصان ، فإنّ الازدياد فوق أصل الإيفاء مندوب غير مأمور به. وفيه تنبيه على أنّه لا يكفيهم الكفّ عن تعمّد التطفيف ، بل يلزم السعي في الإيفاء ، ولو بزيادة لا يتأتّى الإيفاء بدونها ، كغسل اليد من باب المقدّمة.
وقوله : (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) تعميم بعد تخصيص ، فإنّه أعمّ من أن يكون في المقدار أو في غيره. وكذا قوله : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) فإنّ العثوّ يعمّ تنقيص الحقوق وغيره من أنواع الفساد.
وقيل : المراد بالبخس مكس درهم مثلا ، إذ كانوا يأخذون من كلّ شيء يباع شيئا ، كما تفعل السماسرة ، أو كانوا ينقصون من أثمان ما يشترون من الأشياء ، فنهوا عن ذلك. والعثوّ : السرقة وقطع الطريق والغارة. وفائدة الحال إخراج ما يقصد به الإصلاح ، كما فعله الخضر عليهالسلام.
وقيل : معناه : ولا تعثوا في الأرض مفسدين أمر دينكم ومصالح آخرتكم.
(بَقِيَّتُ اللهِ) ما أبقاه لكم من الحلال بعد التنزّه عمّا حرّم عليكم (خَيْرٌ لَكُمْ) ممّا تجمعون بالتطفيف.
__________________
(١) الكهف : ٤٢.